مقالات

الحكمة والطب والوطنية

نحن نعلم أن الهند موطن الحكمة القديمة ، وموطن الأساطير والبخور والعجائب ، ومن ذلك أنها موطن الطب القديم ، وفي المشرق العربي وإلى يومنا الحالي يسمى الطبيب بالحكيم ، وربما سُمّي الطّبيب بالحكيم؛ لما يمتلك من قدرة وحكمة على اكتشاف العلة وعلاجها بوسائل مختلفة نفسية وجسميّة وبدنيّة مستخدماً شتّى السُّبل للوصول إلى الغاية ، والخلاصة فالطبيب سُمي حكيماً لأن لديه حكمة ، ومن كتاب الله القرآن نعرف أن الخالق سبحانه وتعالى امتدح الحكمة ، قال الله تعالى (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أوُتِيَ خَيْرًا كثَِيرًا ومََا يذََّكرَُّ إِلا أوُلْوُا الألَْبَابِ) البقرة الآية 269 ، كما يوصف لقمان بالحكيم ، وللحكمة أكثر من ثلاثين معنى كما يُقال ، . لكن أشهر معانيها المتعارف عليه هو «الفلسفة «باعتبار أن ترجمة الفلسفة الحرفية هي علمُ الحكمة، والثّاني هو السنّة أو الشريعة على اعتبار التفسير الأشهر ل (ويعلّمهم الكتاب و الحكمة) الآية: 129 من سورة: البقرة . ولكن المعنى الذى سأذهب إليه فى مقالي هذا هو كلّ علم أو معرفة تزيد الفهم للواقع ومساعدة الناس ، واتقاء الله والوقوف عند حدوده ، فخلال مرضى الصعب تنقل بي أهلى بين تونس ومصر وليبيا للعلاج ، وكانت المفاجأة أن افضل الأطباء يتحدثون عن دكاترة وأطباء ليبيين .، فقد كان اسم الدكتور (علي أبوقرين) يتردد كثيرا على مسامعي ،وهو طبيب ليبي على مستوى رفيع من المعرفة الطبية ، كما كان اسم الدكتور هشام بن خيال ومكانته العلمية فى مجال الأعصاب ، فكانا كلاهما مصدر فخر واعتزاز ووطنية ، وما أجمل أن يمتدح احدا من خارج ليبيا طبيبا ليبيا وينصحك باستشارته ويعترف لك بأنه هو الأفضل طبيا ، وهذا المديح جعلني احاول التواصل معهما رغم انشغالاتهما وقد تبين لى أن الدكتور علي أبوقرين يقوم بنشر رأيه العلمي والطبي والاستشاري لإرشاد الناس وتوضيح الأمور لليبيين فى مجال الحفاظ على الصحة ومخاطر الأوبئة وأمراض السرطان والتحذير الاستباقي للأوبئة، فهو يشدد على مسألة الصحة الاجتماعية من خلال ضرورة إخضاع المأكل والمشرب إلى مقاييس طبية دقيقة ويشير د. علي إلى ضرورة وجود جهة رقابية لمتابعة تحليل وقياس مياه الشرب والمشروبات المعلبة والأغذية المصنعة ومتابعة الأسواق والتدقيق فى موضوع التخزين والحفظ وطرق الاستخدام والصلاحية لأن ذلك من مسببات امراض السرطان والضغط والسكري وهي امراض العصر التي يواجهها الليبيون ، وأذكر أنه فى العاصمة التونسية التي يزورها الليبيون للعلاج أن أحد الاطباء أخبرنى أن أول جهاز للتخطيط بالرنين المغناطيسي فى شمال إفريقيا كان في ليبيا ، وأنه يتذكر د. على أبوقرين وكيف شرح له مميزات الجهاز منذ عدة عقود ، وهكذا فإن وزارة الصحة في ليبيا مدعوة للاهتمام بالكفاءات الطبية الليبية وأن تعمل على ان تستفيد أجيال الأطباء ممن سبقهم فالخبرة التراكمية العلاجية هي سر التفوق الطبي ، والمثل الشعبي يقول (انشد مجرّب وماتنشد طبيب) فكيف يكون الحال إذا كان صاحب التجربة هو طبيب فى ذات الوقت ؟ سيكون الجواب مقنعا بلا شك ، وما دمنا فى صدد الحديث عن القدرات الطبية الليبية وضرورة الاهتمام بها والاستفادة من تراكمها المعرفي وحكمتها فنذكر من باب المثل لا الحصر بعض الأطباء الليبيين المتميزين فى مجالات مختلفة ومنهم : د. على خليل، ود. حسين الرجبانى ، ود. مصطفى أبوعزة ود. منير الشيباني تخصص عظام ، والجراح د. عبدالمنعم الغدامسي، ود. علاء بن رمضان وطبعا لا ننسى أن هذه الأسماء على سبيل المثل لا الحصر فبلادنا مليئة بالأطباء الحكماء والمميزين وعلى رأسهم د. ابوقرين و د. هشام بن خيال ، فنتمنى من وزارة الصحة والجهات المعنية ومراكز الدراسات والجامعات الليبية أن تستفيد من خبراتهم وأن تسهل عملهم لصالح المواطن الليبي، وأن تساهم فى تنظيم ندوات وحلقات نقاش لنقل الخبرة والمعرفة العلمية بين الأجيال وتراكم الدراية العلمية وتواصلها لصالح الوطن وصحة المواطن ، فما أحوجنا إلى أن يتعلم الجيل الجديد من أطبائنا الشباب خريجي الجامعات الليبية أن ينهلوا من علم ومعرفة من سبقوهم ، وكل العشم في المسؤولين للمساهمة في تواصل الاجيال وتراكم الخبرة الطبية وتنميتها داخل ليبيا .

* الدكتور : أبو القاسم عمر صميدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى