محلياتمقالات

من برلين الخبر اليقين

(أبولقاسم احمد – 18 عاما ) .. لم يكن يعلم حين خاض تجربة «الحرقة» الهجرة غير الشرعية عبر البحر نحو أوروبا «و كلنا إلى زوال»، لم يكن يعلم أنه ستكون ألمانيا ارض تقبض فيها روحه ، وترجع إلى بارئها، ولا يحقق أحلامه «ومَاَ تدَْريِ نفَْسٌ بِأيَِّ أرَضٍْ تَمُوتُ» مات « أبوالقاسم» إثر حادث بمحطة قطارات فقضى وقتا بغيبوبة دماغية تامة وانتهى بعدها أمره ، وصارت روحه عند بارئها .. هو لم يكن يحمل وثائق ثبوتية كافية باسم معرف كاف «دون لقب عائلي» للتعرف عليه عند الليبيين خاصة، أو أدلة تبين هويته وبلده الأم .. لم يكن يعلم حين توجه من «ميونخ» إلى مقصده في «دورتموند » أنه قد لا يحقق هدف زيارته لها .. فقد تعرض لحادث في سبتمبر 2023 ، فقد الوعي حينا من الزمن وظل في غيبوبة إلى أن أسلم النفس إلى المولى عز وجل ..وظل جثمانه بثلاجات حفظ الموتى، للتعرف على أهله وتسلمهم الجثمان، أو أن تتخذ البلدية المسؤولة الإجراءات اللازمة، إما بدفنه أو حرق الجثمان «فتكاليف القبر و الدفن عادة مرتفعة جدا« ولم تجد السلطات الالمانية تأكيدا لهويته و أصله، سوى بصمات الأصابع، التي تم من خلالها تأكيد اسمه، وظلت جنسيته التيى أعلنها عند دخوله ألمانيا فقط حسب ما صرح به وقتها، وكذلك أصله و ديانته وبيانات أخرى تقدم و أدلى بها أبوالقاسم أثناء جلسة الاستماع لأسباب طلبه اللجوء أو الحماية الإنسانية ..أكد بأقواله خلالها أنه ليبي من طرابلس وعبر البحر من ليبيا، وأنه من مواليد 2005 م، في حين لم يكن يملك أو يقدم أي إثبات أو مستندات ليببة تؤكد هويته «وهو أمر غير مستغرب الحدوث لكثير من طالبي اللجوء وخاصة راكبي زوارق موت الدفع المسبق» .. لمجرد أن ظهر خبر وفاته ، و أن السلطات الألمانية لم تؤكد أصل وجنسية البلد الأم للمتوفي بشكل قاطع ، أو التواصل مع أهله أو أصدقائه، لتسليمهم جثمانه «او لحرق الجثمان إن تعذر ذلك» .. وكذلك ربما التواصل مع القسم القنصلي بالسفارة الليبية برلين، للتحري عنه وتأكيد هويته وجنسيته الليبية، رغم أن القسم القنصلي أيضا لم يستطع تأكيد هوية وأصل وجنسية المتوفى أو نفيها، حتى تتولى استلامه لدفنه أو إرساله إلى ليبيا «وليس يسيرا وهينا هنا أن تستلم جثمان متوف لم يتم تأكيد هويته وجنسيته» .. الأمر أثار حفيظة الكثيرين من الليبيين وسخطهم أحيانا وغضبهم ، لعدمى معرفة تفاصيل الموضوع «وهنا كان يجب على القنصلية توضيح الأمر في بيان »، و انتشرت فورة غضب أصحاب الكيبوردات وصفحات الفيس بوك «والنشطاء» وكثرت التحليلات واللعنات والتأويلات «وهم ربما معذورين غيرة محمودة كون الخبر يشير أنه شاب ليبي أوى مسلم ، و سيتم حرق جثمانه على غير الطريقة الإسلامية .. » لقد تواصل بعض الخييرين بالمستشفى أو القنصلية للتأكد ، وقام بعضهم الآخر باقتراح التبرع لتوفير مبلغ الدفن، وعمل آخرين على نشر صورة المتوفي التيلا سمحت القنصلية الليبية على مسؤوليتها بنشرها لمعرفة أهل الشاب المتوفى والتواصل معهم وتأكيد هويته وجنسيته ومواطنته .. المهم ، الشاب المتوفى لم يتم تأكيد جنسيته لدى القنصلية «كمواطن ليبي» بعد ، ولا معرفة لقبه العائلي أو رقم قيده الوطني، ولا أي إثبات يؤكد أنه مواطن ليبي كما ادعى أمام السلطات الألمانية، حتى يتم إرسال جثمانه إلى أهله لاستلامه ودفنه في ليبيا .. ومع ذلك وحرصا من القنصلية على عدم التقصير في ذلك، فقد كلفت الشركة المتعهدة باستلام وتكفين ونقل وتسفير الموتى الليبيين إلى ليبيا، باستلام الجثمان ، حتى تسفيره إن تم التأكد من مواطنته و إصدار شهادة وفاة من القنصلية، كلفت الشركة لتلافي حرق الجثمان، حتى يتبين للقنصلية معرفة هوية المتوفى .. ربما ستعمد القنصلية إلى أخذ بصمات الميت المسجلة لدى السلطات الألمانية لإرسالها إلى البحث الجنائي في ليبيا، لتحديد هويته ومعرفتها ومعرفة رقمه الوطني وجنسيته وسجله المدني واهله، أو تعذر صحة ذلك فلا … و ربما ستتكفل القنصلية «بالتجاوز» بتحمل تكاليف المتوفي في ألمانيا على نفقتها، كصدقة جارية من الأموال العامة الليبية، وسيبقى هذا خيار أخلاقي وإنساني وشرعي، رغم أن المتوفى قد لا يكون مواطنا ليبيا «وهو مرجح جدا حتى الآن» ، أو أنه من دول الجوار أو دول عربية أخرى ، وأنه قد صرح بأنه ليبي الأصل والجنسية فقط من أجل تسهيل حصوله على حق اللجوء أو الحماية الإنسانية، خاصة أنه لا يحمل اسم ولقب عائلي أو قبلي أو مستندات ثبوتية رسمية على عكس المتعارف عليه بين الليبيين، و أيضا فهو لم يتم التعرف عليه من أهله واصدقائه ومعارفه وجيرانه وزملائه ولا أحد من الجالية الليبية هنا أو من ليبيا تعرف عليه وهذا أيضا مستغرب في بلد يمتاز بروابط اجتماعية متماسكة … وتبقى الآن الكرة بملعب القنصلية الليبية، والسلطات الأمنية، لتؤكد أو تنفي صحة جنسية المتوفى ومواطنته .. أو القيام بواجب إنساني لدفنه وفقا للشريعة الإسلامية .. وسننتظر بيان السفارة الليبية ببرلين عن القصة . وللتوضيح، إن حرق الجثامين في ألمانيا ليس سلوكا عنصريا ولا هو متخذ ضد الأجانب أو عديمي الجنسية .. بل أن هناك أيضا بعض الألمان ممن لا يقدر أهل المتوفى تحمل تكاليف الجنائز وأرض القبر ولا يغطي تأمينهم الصحي ذلك، فان البلدية المختصة أو إحدى الجمعيات الخيرية التطوعية أو الكنائس، تنظر في تحمل تكاليف القبر والدفن أو حرق الجثمان .

* د. الزبير غيث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى