محلياتمقالات

تحية وسلاما

العلمانية انتصرت للإسلام

أنتج تغول رجال الدين المسيحي من خلال الكنيسة في اوروبا في العصور الوسطى حالة عداء وتمرد فكري قاده عدد من الفلاسفة التنويريين، ضد السياسات والممارسات المستبدة للكهنة، وضد الأفكار الظلامية التي خيمت على اوروبا، بسبب هيمنة رجالات الدين المسيحيين على الحياة العامة، وتدخلهم في كافة المناحي السياسية والفكرية والعلمية للأفراد. سياسيا اخضعت الكنيسة الحكام والملوك لسلطتها المطلقة، وتدخلت في تنصيبهم، وتحديد أساليب إدارتهم لشؤون الحكم، وجعلت من نفسها البوصلة التي لا يمكن تجاوز ما تحدده من اتجاهات وقناعات ورؤى. فكريا وعلميا فإن كل الأفكار والآراء والمعتقدات التي تخالف ما أتفق عليه رجالات الكنيسة هي كفر بواح، يقود صاحبه إلى إنزال اشد العقوبات، ولعل من أكثر الأمثلة على ذلك حكم الاعدام الذي صدر بحق جاليليو لإقراره بان الارض كروية الشكل. دينيا فإن الطريق إلى الله لا يمر إلا عبر الكنيسة، التي صارت تمثل ظل الله في الأرض، وبالتالي هي التي تحدد من سينتهي به الأمر إلى الجنة، ومن سيكون من أهل النار، من خلال صكوك الغفران التي كانت تعدها وتمنحها لمن تشاء، فالكنيسة هي التي تحدد مستقبل العلاقة بين الإنسان وربه يوم القيامة. ولذلك أطلق المؤرخون على هذه المرحلة الزمنية في اوروبا (العصور المظلمة). وكنتيجة منطقية وطبيعية لهذا الوضع فقد ظهرت حالة من الرفض يقودها مفكرون كبار مثل فولتير، وجان جاك روسو، وديفيد هيوم، ويرى البعض ايضا ان الاحتكاك المسيحي الاسلامي في الاندلس ساهم هو الأخر في ظهور تيار في اوروبا رافضا لسطوة الكنيسة وأفكارها الظلامية، حيث لاحظ المسيحيون ان الحياة الدينية مختلفة تماما لدى المسلمين عما هو عليه في اوروبا، فالعلاقة بين المسلم وربه لا تمر عبر وساطات، ولا وجود لمؤسسات
تحتكر الدين دون غيرها. وسط هذا المخاض ظهرت اراء ومطالبات وحركات تنادي بضرورة ابعاد الكنيسة بشكلها الملوث والظلامي عن الحياة العامة، بغية تحرير العقل من سلطة عفنة ظاهرها ديني وحقيقتها
غير ذلك تماما، من هنا ظهرت العلمانية التي هي بالأساس حالة اوروبية مسيحية، لا علاقة لها بالدين الاسلامي في صورته السمحة المعتدلة، مع امكانية استدعائها في أي حالة دينية إذا ما قفزت الحركات الدينية المتطرفة الظلامية للواجهة. ومدامنا بصدد الحديث عن العلمانية فلابد ان ندين لها كمسلمين في جانب مهم جدا، إذ لولاها لما رفعت المآذن في عشرات المدن الاوروبية، ولولاها ما اعتنق ملايين البشر في اوروبا وامريكا الدين الاسلامي، ولولاها لما سمح لمراكز الدعوة الاسلامية بالعمل بطريقة شرعية في القارة المسيحية (اوروبا)، ولولاها لما جاء أسم محمد في إحدى السنوات في المرتبة الثانية لأسماء المواليد في بريطانيا، افلا يعد كل هذا نصرا للإسلام العظيم؟

  • .د. مسعود التائب
    m.eltaiab@zu.edu.ly

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى