في عام 1975 صدر قرار بتوجه طلبة الجامعات الي معسكرات الجيش للتدريب العسكري طوال فترة العطلة الصيفية ، وكان قرار عسكرة الدولة غير مفهوم ، فلم نكن من دول المواجهة ، او في حالة حربمع أحد ، او مهددين بغزو ، فلمن كانت تقرع طبول الحرب ؟ خرجنا « طلبة جامعة بنغازي « في مظاهرة رافضين تنفيذ هذا القرار ، اعتصمنا أمام كلية الآداب « قصرmالمنارة سابقا« »وهو المبني الذي أعلن منه بيان استقلال ليبيا ، كان قصر للملك ادريس رحمه الله ، ثم تنازل عنه لصالح كلية الآداب . سويعات و تم إحاطتنا من كل جهة و صوب ، وتم القبض علي معظمنا ، أمسك بي ، وحشرت بين جنديينمن الشرطة العسكرية في مقعد خلفي في سيارة بيجو 504 ، انطلقت و لم تتوقف إلا في معسكر البركة حيث وجدت مئات من الطلبة في ساحة هذا المعسكر في انتظار التحقيق معهم . عن بعد ، رئيت فتي كنت أعرف أنه طالب في السنة الأولي ثانوي ، كان شقيق أحد أصدقائي، مرتديا» كابمغربي أحمر ، أردت أن أتوجه اليه عندما طل علينا ….واثق الخطي يمشي …. نائب عريف ، بداء في توبيخنا لعدة دقائق ، رأي بطرف عينه الكاب ألأحمر ، التفت اليه ، ثم رجع الينا « فيه حركة جديدة طالعةيلبسوا في الحمر ، وعلمهم حمر ، و كافرين بالله « قال موجها» سبابته لذي الكاب الأحمر، بعضنا ضحك وبعضنا وجم ، أستدار بلمح البرق عندما سمع صوت العريف يأمره ببداء ادخالنا للتحقيق « حاضر سيدي « قال مؤديا» التحية العسكرية ، « أربعة أربعة « استطرد العريف …» حاضر سيدي « رد صاحبنا مستمرا »بالتحية . أربعة مقاعد محاذية لجدار الغرفة يقابلها مكتب ، جلس خلفه ملازم شاب و عي طرفه العريف الذي رأيناه في الساحة ، والذي كانت مهمته كتابة المحظر ، كان مع مجموعتي شاب أفريقي ، قبض عليه هو الآخر ،كنت أول من استجوبت ، لم يأخذ الاستجواب دقائق ، ثم من بعدي أتي الأفريقي «ايش كنت تدير في المظاهرة ؟ «سئل الملازم «كنت أدور في أمل «رد الأفريقي …» أمل شنو ؟ « سئل الملازم مستغربا» « أمل ، أمل .. شغل «رد ألأفريقي» و تدور في شغل في المظاهرة ؟ «رد الملازم بشيء من الغضب ابتسمت ، «عليش تضحك يا تحفة ؟ « قال لي الملازم محاولا» أن يكون غاضبا» ، باذلا» جهدا » حتي لا يبتسم ، «انت روح ، و رد بالك نشوفك مرة أخري «موجها» كلامه للأفريقي الذي رافقه العريف خارجا» تم اقتياد ثلاثتنا الي زنزانة لا يزيد عرضها عن 2 متر و طولها عن ثلاثة ، كانت الساعة تقترب من الثالثة صباحا» ، أخذ منا التعب مأخذه ، وجدنا أربعة مراتب موضوعة فوق بعضها ، فرشناها ، احتلت كل فراغات الزنزانة . دقائق و فتح بابها ، دخل ذو الكاب الأحمر ، كان يبدو مرتبكا» و قلقا» ، تحدثنا معه ، حاولنا أن نزيل عنه قلقه و خوفه ، أطمأن قليلا» ، ثم سألته ما الذي أتي بك في هذه المظاهرة ، فالقرار لا يشمل طلبة الثانوية كنت أريد الدخول للفست برستل ، أجاب فست برستل ؟ الفيلم في سينما المجاهد «كانت السينما قريبة من مكان الاعتصام« أخذت التذاكر و كنت انتظر أصدقائيأمامها ، ثلاثة أصدقاء عندما تم القبض علي . أخرج أربعة تذاكر غير مستعملة ، أخذتها بدافع الفضول تقصد فيلم الفيس برسيلي «أحد أشهر المطربين الأمريكان« نعم الفست برستل لماذا لم تقل ذلك في التحقيق ؟ لم يحققوا معنا بعد ، قالو غدا» أو بعد غد ، عندما يحين دورنا . في هذه اللحظة فتح حارس باب الزنزانة حاملا» بعض البطاطين ، رأي التذاكر في يدي ، لم أحاول اخفائها ما هذا الذي في يدك … سئل تذاكر سينما ، كنا نحن الأربعة أمام سينما المجاهد في انتظار بدء العرض عندما قبض علينا . أخذ مني التذاكر ، تفحصها ، هز رأسه ، كان يبدو متعاطفا »معنا ، ثم خرج . نصف ساعة مضت ، قبل أن يأتي الينا مرة أخري ، قادنا الي غرفة التحقيق . أتفقوا علي كلمة واحدة … همس الينا وجدنا في غرفة التحقيق الرائد عوض أبراهيم ، آمر الاستخبارات العسكرية ، و ضابط آخر برتبة ملازم ، غير ذاك الذي حقق معنا . سئلنا بضعة أسئلة عن مكان تواجدنا و أسبابه ، ثم قدم إلي كل واحد منا تعهد بعدم تكرار ما بدر منا ، ثم قال أننا أحرار في الذهاب الي بيوتنا . أمام باب المعسكر كانت تقف سيارة أجرة ، ربما كان وجودها أمام معسكر في الرابعة صباحا» مجرد صدفة !استفليناه ، في الطريق قال السائق «معكم حق في الخروج للتظاهر ضد هذا القرار«، أجبته « لم نكن فيالمظاهرة ، كنا نريد الدخول للفست برستل «أنفجر الجميع ضاحكا» ، و كانت هذه نهاية المحادثة معه .و للحق ، أطلق سراح الجميع خلال بضعة أيام.ولكم التحية
* فايز حليم
