مقالات

تحية وسلاما

أمة لازالت تبول على نفسها

في كل الحروب التي شنها الصهاينة ضد العرب كانت هناك مقاومة بدرجة ما، بغض الظر عن محصلة تلك الحروب، وما آلت إليه الأوضاع على الأرض بعد ذلك، قاوم العرب الاحتلال عام 1948 ، وتصدوا للعدوان عام 1956 م، وقاتلوا عام 1967 م، وكانوا أكثر شراسة وحنكة عام 1973 م التي كانت آخر الحروب كما أرادها أنور السادات، والتي كان من الممكن أن تعيد للجيوش العربية هيبتها بعد الجرح العميق الذي تسببت فيه نكسة 67 ، وأن تعيد بالتالي للمواطن العربي ثقته في نفسه وفي قدراته. لكن السادات كان له رأي آخر، واختار بالتالي طريقا مختلفا لإدارة الصراع مع الصهاينة، وذهب إلى أبعد مما كان متصورا، حين قرر زيارة (إسرائيل)، وفتح باب التطبيع على مصراعيه، وأخرج مصر من معادلة الصراع، لتتوالى على إثر ذلك حالات الانهيار العربي الرسمي بطريقة مروعة، وفي تصوري أن مواقف السادات الانهزامية، وتراجع الدور القومي لمصر كنتيجة طبيعية لتلك المواقف هو الذي قاد الأمة لاحقا من خلال حكامها إلى أن تدخل في مارثون
التطبيع بشكل علني وصريح وسافر، أو من خلال اتفاقات أنتجت واقعا جديدا في آلية التعامل العربي الرسمي مع القضية الفلسطينية. وبعد تحييد العراق على أثر احتلاله عام 2003 م بشكل مباشر من القوات العسكرية الأمريكية، وتفكيك منظومة الدولة العراقية بشكل بدأ مقصودا وممنهجا، تم إدخال المنطقة العربية في حالة من الاشتباك الذاتي مع نفسها بعد عام 2011 م، وإرباك حالة التحول التي كانت تتطلع إليها شعوب المنطقة، وخلط أوراق المشهد السياسي في العديد من البلدان العربية، وإتاحة الظروف المواتية لحركات التطرف على اختلاف تسمياتها لإجهاض كل مشاريع النهضة المتصورة، بعد كل هذا الواقع الذي تم استحداثه وجدت الدويلات العربية نفسها في حالة من عدم الاستقرار السياسي، وسط ظروف اقتصادية رخوة، ومشهد أمني مرتبك، وواقع اجتماعي مهددا بالتفكك. كل هذا الانهيار الدراماتيكي الذي شهدته المنطقة العربية خلال العقود الماضية هو الذي يفسر حالة الخذلان والعجز والموت السريري العربي رسميا وشعبيا، أمام ما تقوم به دولة الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، منذ ما يقارب من خمسة أشهر بتأييد غربي وقح وغير مسبوق، وفي ظل خنوع عربي لم يعرف التاريخ له مثيل. وبعد.. هل استوعبتم سر حالة الموت العربي لأمة ظلت تبول على نفسها؟ على حد تعبير نزار قباني طوال عقود من الانهيارات بدأها السادات، ولا ندري بعد من هذا الغائب الذي سيوقفها.

* أ.د. مسعود التائب
m.eltaiab@zu.edu.ly

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى