محلياتمقالات

للوطن (4)

وتفاعلت هذه الفنون كلها في ليبيا فنون الحضارات الرومانية والإغريقية والهجرات العربية المتكررة التي بدأت مع بواكير الألف الثالثة قبل الميلاد واستمرت تتدافع وتستقر في ليبيا في مختلف المدن والجهات وتنشر فنونها وهي تخالط الناس وتبني بينها وبينهم علاقات المودة والتواصل وتتبادل مع السكان فنونها وآدابها وسلوكها في الحياة لباسا وسكنا وزادا وهكذا تلاحقت حضارات وأعراق وفنون وثقافات عديدة زادتها القوافل التي لا تنقطع قادمة إلى ليبيا وذاهبة منها تجول ببضاعتها وفنونها وثقافاتها. وهكذا تم التلاقح والتفاعل بين الفنون والآداب والأذواق حتى خرجت الأغنية الليبية واستوت في نماذجها مع الفتوحات الإسلامية .. ثم ما زالت تنمو وتتطور حتى قدم «زرياب» الفنان المطرب والموسيقار الكبير قادما من بغداد هارون الرشيد وقاصدا الأندلس ولكنه أقام في طرابلس فترة طويلة وعنه نقل الليبيون أن يكون الغناء مطلعا وترتد إليه الأبيات التي تغنى وعن زرياب نقل الليبيون ترجيع المجموعة الصوتية للمطالع ثم استمرار المغنى في غناء الأبيات وبذلك دخلت الأغنية الليبية طور التلوين في النغمات وطور التطويل بعد أن كانت عبارة عن «مقطوعات قصيرة» يتم ترديدها بشكل متكرر وبعد زرياب قدم الموسيقار الفيلسوف «أمية بن عبد العزيز بن الصلت» وهو فيلسوف وصاحب رؤية ونظريات في النغم وخريج الفن الاندلسي المتميز واخذ عنه الليبيون كثيرا من الفنون الأندلسية كالأدوار والتوشيح بكل ألوانها وفنونها .. ولكن النقلة البارزة والكبرى في الأغنية الليبية وفي «تعريب اللسان الليبي» تعريبا متميزا وطبيعيا كان بقدوم أفواج رحلات بني هلال وبني سليم الذين أرسلهم الخليفة الفاطمي لمحاربة بني زيري الخارجين على الدولة الفاطمية وقد انتشر الهلاليون وبنو سليم في كل أرجاء ليبيا واختلطوا بالناس مخالطة واضحة وعن طريقهم امتازت ليبيا بفصاحة النطق وحلاوة الشعر وكثرة أوزانه وأنغامه وعنهم أخذ الليبيون شعر الملزومة والبو طويل والقصيد والقسيم وعنهم أخذوا كثيرا من الإيقاعات العربية الأصيلة ومزجوها بإيقاعاتهم القديمة التي تحمل كثيرا من طوابع الحضارات ولكن الأثر الكبير للهلالية هو (تعربيب) ليبيا اجتماعيا فبالمخالطة والمعاشرة ترك الهلاليون وبنو سليم طوابع الفصاحة وطوابع العروبة لسانا وذوقا وطباعا في ليبيا وعنهم وتحت تأثيرهم جاءت الأغاني الليبية التي حملت بصمات العروبة وطوابع التجديد وبقايا تأثيرات الحضارات المتعددة .. في العدد القادم نتابع بعون الله

* عمر رمضان اغنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى