محلياتمقالات

الجنوب الليبي بين الجرمنتيين والطوارق

* الحلقة الأخيرة
عندما التجأ الإنسانُ القديمُ إلى الكهوف اخترع فن الرسم على جدرانها، ربما من باب التسلية وقتل الوقت خاصة النساء، أو استخدامها كوسيلة لتعليم أطفاله فن الصيد والقنص، ولكنه لم يكن يعلم أنه وضع أساساً لأعظم اختراع إنساني وهو الكتابة. فالكتابةُ بدأت بالرسم والتصوير قبل أن تصل إلى حروف أبجدية مستقلة تتكون منها الكلماتُ وتُسجل بها العلومُ كما هي اليوم.. والإنسانُ الليبي القديم كان رائداً في هذا المجال، وربما سبق غيره في تسجيل نشاطه اليومي عبر آلاف اللوحات الصخرية التي تزخر بها جبالُ ليبيا الجنوبية.. ولكنها لم تحظ بالدراسة كما حظيت بها الرسومُ الأخرى التي تتطورت إلى الأبجدية كالمسمارية بالعراق والهيروغليفية بمصر
وغيرهما. من جانبنا، رغم قلة حيلتنا وضعف إمكانياتنا، وقفنا نتأمل بعض تلك اللوحات وهي لا تزال في حالتها البيكتوغرافية التصويرية الجامدة لنستشف منها بعضَ الأفكار، وهذا أقل ما يمكننا الوصول إليه.. ونعتقد أن تلك اللوحات كان لها عظيمُ الأثر على الحضارات الأخرى كالمصرية القديمة والإغريقية.. وعلى سبيل المثال تلك العربات التي تجرها أربعةُ خيول، والتي رسمها الجرمنتيون على جدران كهوفهم )قصورهم( كان قد استعارها الإغريقُ وأدخلوها ضمن ألعابهم الأولمبية، ويقال أن بقايا مضمارها لا يزال واضحا في “قورينا”. وعلى الرغم من أن اختراع الدولاب )العجلة( ساعد الإنسان على عملية التنقل وسرعة إنجاز الأعمال اليومية، إلاّ أن “الحثي ن” بآسيا الصغرى كان لهم قصب السبق في استعمال العربات التي تجرها الخيول، ولكن الإغريق يعترفون بأنهم استعاروها من الجرمنتي ن ربما أثناء وجودهم في “قورينا” وهي الأقرب إليهم. ومن جانبنا أيضاً حاولنا مقارنةَ بعض الشخصيات الليبية المرسومة على لوحات “تاسيلي” ببعض الشخصيات التي تحتفظ بها الآثار المصرية، فاكتشفا الشبه الشديد بينها. فشخصية الإله المصري “تحوت” (وهو إله الكتابة عندهم)، تشبه كثيراً شخصيات لوحة “تقديم القرابين” الليبية )التي قدّمها مُكتشفها الفرنسي “هنري لوت” بهذا العنوان(، وذلك من حيث الشكل والوضع ولباس الأقنعة الحيوانية والشعر المستعار والتنورة وسترة العورة والذيل وغيرها، باستثناء بعض الفروق المتأثرة بعامل التطور الزمني ب ن الشخصية الليبية البدائية والشخصية المصرية التي تطورت فيما بعد، وذلك من حيث إضافة بعض الزخارف على الألبسة والأحزمة والقلائد في الرقبة. وإذا سلّمنا بأن لوحات “تاسيلي” كانت من ب ن أهم دعائم الكتابة البيكتوغرافية التصويرية، فهي تستحق الدراسة من حيث تحليلها وفك رموزها كما فعل الفرنسي “شمبليون” مع الكتابة الهيروغليفة، والألماني “غروتفند” مع الكتابة المسمارية.. علماً بأن لوحات “أكاكوس” أقدم زمنياً من لوحات كهوف جنوب فرنسا وإسبانيا الشهيرة، لذا وجب الاهتمام بها، كما فعل سابقاً العالم الليبي “محمد مصطفى بازامة” في محاولةٍ لم تحظ بالاهتمام ..

* الدكتور: عبدالعزيز سعيد الصويعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى