غالباً ما تكون السياسة التحريرية أولى نقاط التركيز عند الشروع في تقييم محتوى أي وسيلة إعلامية دون النظر إلى سلوك الصحفيين و مدى اختلافهم أو اتفاقهم مع سياسة التحرير التي تحكم عملهم في المؤسسة الإعلامية، هناك العديد من الانتقادات للسياسة التحريرية في دول العالم الثالث بسبب أنها غير مكتوبة و محددة بل تترك شفاهية وهذا بدوره يسبب الكثير من الغموض و اللبس حولها. مؤخرا أصبحت الصحافة مرتبطة بعالم المعلومات و الأعمال أكثر من ارتباطها بعالم السياسة، و أخذت مواثيق الصحافة تصنيفات و تسميات ارتبطت بحقب تاريخية مثل:
* مواثيق على المستوى العالمي، منها، ميثاق الاتحاد
الدولي للصحفيين.
* مواثيق على المستوى الاقليمي، مثل، ميثاق اتحاد
الصحفيين العرب.
* مواثيق على المستوى الوطني، و تكون بمشاركة جميع
القطاعات المعنية بالعمل في ذات المجال.
* مواثيق على مستوى المؤسسة الواحدة، يتمحور هذا
الموضوع حول وضع «مدونة سلوك » تضبط الممارسة المهنية
لصحفيي هذه المؤسسة.
* مواثيق قطاعي، مثل «اليونيسيف» للتعامل مع الأطفال. ولنفهم مفتاح هذا التشابك بين الجدل المهني و السياسي الذي يتعلق بمحتوى أي وسيلة إعلامية علينا أنهم نفهم أن السياسة التحريرية ترتبط بشكل كامل مع السياسة العامة للدولة وسياستها الاقتصادية و تركيبتها المجتمعية و مدى الثقل الحزبي فيها، وربما هذا ما دفع خبراء الإعلام إلى تعريفها بأنها «مجموعة القواعد التي من شانها أن تجعل الممارسة الإعلامية تستند إلى أسس مهنية و نقاط محددة ومكتوبة في غرف التحرير ، لتكون السياسة الناظمة للتوجهات و العمل داخل المؤسسات الإعلامية»، لذلك يُنظر إليها بأنها أحد أهم الضوابط الإلزامية للعاملين في وسائل الإعلام، و يمكن أن نصنف هذه الضوابط إلى نوعين، الأول ضوابط إلزامية تكون مُقرنة بالدستور و القانون و اللوائح سياسة المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها الصحفيون، و الثانية غير إلزامية وهي التي ترتبط باتجاهات الصحفي و معتقداته الشخصية التي لا تترتب عليها جزاء قانوني. في ظل هذه التقاطعاتلا يفرض علينا عصر وفرة المعلومات المتاحة و الشفافية و حوكمة وسائل الإعلام بكافة أدواته و وسائطه المتعددة أن نكون ضمن المبادرين إلى معالجة هذا التشابك حسب رؤية خبراء الإعلام الذين يرون أن السياسة التحريرية لأي وسيلة إعلامية يجب أن تستند إلى مجموعة من القواعد التي من شانها أن تجعلى الممارسة الإعلامية معيارية تستند إلى أسس مهنية و نقاط (مكتوبة) في غرف التحرير وتجاوز مرحلة التعليمات الشفهية أسوة بمؤسسات إعلامية راسخة مثل إذاعة (بي بي سي) البريطانية التي تنشر سياستها التحريرية على موقعها الإلكتروني و هذه أولى و أقوى خطوط الدفاع الاستباقية التي تنتهجهاى أغلب المؤسسات الإعلامية في زمن الإعلام الرقمي، و يتضح أهمية ذلك عندما يتم النقاش حول تقييم محتوى وسائل الإعلام خاصة في وقت الأزمات ليصطدم الجميع بجدار السياسة التحريرية التي تكون محل مساءلة قبل أن تكون خط دفاع أمامي و السبب عدم كتابة بنودها واضحة يمكن أن تُجلي كل غموض حولها.
* أ.د. عابدين الشريف