مع مطلع القرن الحادي والعشرين بدأ العالم البحث بجدية عن بدائل للوقود الأحفوري، لأسباب ظاهرها الاحتباس الحراري وتأثيره السلبي على المناخ . لكن ليس هذا وحده هو السبب، بل هو الوسيلة الناجحة لبلوغ إجماع أممي على الحزم والجدية في اتخاذ التدابير اللازمة لخفض تأثير الانبعاثات الغازية من المصانع ومحطات توليد الكهرباء التي يستخدم الوقود الاحفوري في تشغيلها. هذا ظاهر الأمر، لكن هناك ماهو اهم للمكينة الرأسمالية، وهو البحث عن بدائل أقل سعرا وأكثر جودة، لأجل تأمين الاستدامة في العمل في حالة تعرض مصادر الوقود الاحفوري المتاحة لأي طاريء من جهة، وتقليل تكاليف الإنتاج إلى أقصي درجة ممكنة، للحصول على أكبر قدر من الأرباح التي تقلصت عما كانت عليه خلال العقود الماضية جراء ارتفاع فاتورة أجور اليد العاملة، وتقلص حجم اليد العاملة المغتربة نتيجة تحسن أوضاع بلدانها الاقتصادية واتجاهها نحو التصنيع المحلي . هذه الدوافع مجتمعة دفعت الشركات العالمية العملاقة المدعومة بسياسات الإدارة التنفيذية ببلدانها إلى إنفاق مبالغ كبير لمراكز البحث العلمي من أجل الوصول إلى تقنيات من شأنها توفير طاقة رخيصة ونظيفة لتحل محلالوقود الأحفوري ولو على مراحل . هذه الغاية التي جرى الإنفاق عليها بسخاء، إلى درجة ان كبرى شركات النفط العالمية مثل «شل» و «توتال» و «بريتش بتروليوم » بصدد توظيف أرباح الإنتاج النفطي لاستثمارها في الطاقات النظيفة، لاشك هي إنذار تلقائي بقرب انتهاء الاعتماد المطلق على الوقود الاحفوري .. وبحكم التطور العلمي، فلم يعد هذا الأمر ضربا من الخيال او من المستحيلات، وليس من المستبعد أن تاتي اللحظة التي يقال فيها “باي باي” للوقود الاحفوري. خلاصة القول .. نحن في ليبيا لنا اكثر من ستون عاما ونحن نسحب النفط الخام من تحت الأرض لنبيعه ونشتري به مستلزمات حياتنا اليومية، دون أن نحقق أي نقلة نوعية يعول عليها في التنمية بكافة أشكالها .. حيث لا صناعة تذكر ولا زراعة من شأنها إحداث الفارق، ولا بنية تحتية تليق ببلد يعتبر الأول عربيا والخامس عالميا والثاني أفريقيا من حيث احتياطي النفط ب 48 مليار برميل، بحسب منظمة “أوبك”.. ومع ذلك ها نحن نستورد التونة المعلبة من تايلند و الأغنام من إسبانيا، و القمح والشعير من روسيا، و السكر من البرازيل وتركيا، و الحليب من هولندا والمانيا، وحتى زيت الزيتون الذي يعتبر إلى حد ما سمة من سمات الإنتاج في بلادنا استوردناه هو الآخر من إيطاليا، كذلك الخزف والجبس، والإسمنت استوردناه من مصر وتونس وتركيا !. ومع أن بلادنا من حيث المساحة، وتنوع التربة وجودتها، والمناخ الملائم لإنتاج جل ما سبق ذكره وأكثر، مازلنا في غفلة من أمرنا تحكمنا عقلية “اصرف مافي الجيب يأتي ما في أبار النفط”! .. والسؤال .. ماذا فعلنا بإيرادات النفط لأجل الأجيال القادمة، وإلى متى نستمر في هذا النهج الاستهلاكي الذي رمى التنمية الفعلية الفعالة خلف ظهورنا ؟ ، وماذا سنفعل ياترى إذا حلت علينا تلك اللحظة التي من الممكن أن تأتي في اي وقت، والتي يصبح فيها الاعتماد على النفط في خبر كان.
■ إدريس أبوالقاسم