أصدر مصرف ليبيا المركزي قرارا أطلق عليه (القرض الحسن) بجواز السحب على (الأحمر) لأصحاب المرتبات الأساسية التي تصرف من الخزانة العامة للدولة الليبية، والذي حدد فيه قيمة السحب أو الشراء والتي تكون بنسبة (%60) من صافي المرتب الأساسي عبر خدمات الدفع الإلكتروني ويتم الخصم تلقائياً وقت نزول أو ورود المرتب. كما يسمح للمصارف التجارية بمنح عملائها أسقف لعمليات الشراء والذي يعتمد على قوة مرتبات الأفراد عبر (القرض الحسن) وتخصصيها لعمليات الدفع الإلكتروني. جاءت هذه الخطوة تقديراً لحالة الضرورة تفادياً لتأخر صرف المرتبات للمواطنين، نتيجة لعدم ورود أذونات الصرف بين الحين والآخر. لذلك تعتبر هذه الخطوة التي اتخذها المصرف المركزي جيدة وحل مؤقت إلى حد ، في محاولة منه لاستعادة الثقة في قوة الدينار الليبي والمواطن في نفس الوقت، الذي يظل ينتظر في مرتبه والذي قد يصل لأشهر. ولكن التساؤل الجوهري الذي يطرح نفسه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وشح السيولة والتضخم، وغلاء المعيشة، والتهميش والاقصاء الاجتماعي التي تعيشها البلاد منذ فترة، ما الذي سيفعله المركزي في ظل الفساد المالي والإصراف الحكومي المستمر في القيمة المالية من الباب الأول (المرتبات) دون أي دراسة فعلية، والعجز المالي من الدين العام المحلي الذي بلغ ما يقرب من (100) مليار دينار ليبي ؟ هل سيستمر المصرف في منح (القرض الحسن)؟ يقول الله تعالي في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اهل قَرْضاً لحَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاهل يَقْبِضُ ل وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ ترجعوُن) صدق الله العظيم. إن فكرة (القرض الحسن) من أبرز الحلول المالية التي تقدمها العديد من المؤسسات والشركات المالية لتلبية احتياجات الأفراد دون تحميلهم أعباء الفوائد الربوية وفقاً للشريعة الإسلامية، إلا أن هذه الفكرة تحمل في طياتها جوانب إيجابية وسلبية على حد سواء. فبينما ينظر إليها كأداة لتخفيف الأعباء المالية وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن هناك عدة أوجه للنظر في هذا الإجراء وتطبيقه، وقد يفرز نتائج غير متوقعة. لذلك فهو موقع جدل حول كونه حلاً اجتماعياً أم مأزقاً اقتصادياً. وفيما يلي عرض لأبرز الملاحظات على النحو التالي: أولاً: القرض الحسن كحل اجتماعي: يوفر (القرض الحسن) تمويلاً بسيط وبدون فوائد وهذا قد يساعد الأفراد خاصة ذوي الدخل المحدود على مواجهة الأزمات المالية دون الوقوع في ديون مثقلة بالفوائد كذلك يعزز مفهوم التعاون والتكافل الاجتماعي، مما يعزز الشعور بالمشاركة المجتمعية. وفي المقابل نفسه قد يكون له تداعيات اجتماعية منها اعتماد المواطنين على استخدام رواتبهم بالأجل، وهذا سيؤدي إلى مشكلات في الاستهلاك والانفاق دون سابق تخطيط حيث تُستهلك الرواتب بمجرد نزولها لتغطية الديون السابقة، وهذا يقلل من فرصة التوفير والادخار بدلاً من تعزيزها وتنميتها. كذلك من المشكلات الاجتماعية فقدان الثقة في حال تفاقمت الازمات الاقتصادية وعدم قدرتها على الانتظام والاستمرار أو توقف الرواتب لأي سبب من الأسباب في تقديم هذا القرض، فهذا قد يؤدي إلى حالات من العجز المالي والضغط والاعباء النفسية والاجتماعية. ثانياً: القرض الحسن كمأزق اقتصادي: إن عدم وجود أرباح من القروض يجعل من الصعب على المصارف والمؤسسات المانحة تغطية التكاليف، فهذا يؤدي إلى التقليص من قدرتها على تقديم القروض الجديدة مستقبلاً. إضافة للبيروقراطية لبعض الجهات المانحة (للقرض الحسن) التي تعاني من مشكلات تنظيمية والذي يؤدي إلى بطء عمليات منح القرض وصعوبة الوصول إليها. خاصة إذا كانت الرواتب تعتمد على السحب المسبق، فإن ذلك قد يؤدي إلى المزيد من الضغط على السيولة في النظام المصرفي (بالقرض الحسن) مع عدم انتظام أذونات الصرف للسيولة إلى المصارف فإن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة السيولة وشحها والذي يصاحبه زيادة القدرة الشرائية (من خلال القرض الحسن) مع ارتفاع الأسعار خاصة السلع الأساسية بشكل أكبر نتيجة زيادة الطلب عليها لعدم المراقبة والمتابعة لهذه الأسعار من قبل ذوي الاختصاص، مما قد يؤدي إلى التضخم المسبق من استهلاك وإنفاق المواطنين دون أن تكون هناك زيادة في الإنتاج. وعلى ما تقدم يمكن القول إن (القرض الحسن) أداة فاعلة لحل المشكلات الاجتماعية وتحقيق التكافل، لكنه يواجه تحديات اقتصادية تتطلب تضافر الجهود لإيجاد حلول مبتكرة، لذلك يمكن اعتباره حلاً اجتماعياً في حال تم تحسين آليات التمويل والإدارة، ومأزقاً اقتصادياً إذا استمر في العمل ضمن إطار محدود دون استدامة لكنه يمثل استنزافاً للموارد المالية المستقبلية ويعمق الأزمات الاقتصادية في المدى البعيد.
■ الدكتور : علي محمد الرياني