الخطاب هو نافذة ننقل من خلالها أفكارنا ومشاعرنا، لكنه قد يصبح مرآة مشوهة إذا لم يُفهم كما هو مقصود. من هنا تأتي أهمية “فلسفة الخطاب”؛ فهي لا تتعلق فقط بالكلمات التي تقال، بل بما تحمله هذه الكلمات من نوايا ودلالات كامنة قد تُغفل أو يُساء فهمها. إذا كان المتلقي لا يمتلك أدوات التفسير المناسبة أو القدرة على فهم السياق العميق الذي يحيط بالخطاب، فإنه قد يقع في فخ التفسير السطحي أو حتى الخاطئ، مما يؤدي إلى تصادمات وتفاعات غير مريحة. وهذه المشكلة ليست جديدة، بل قديمة قدم الاتصال البشري ذاته، حيث يعبر جبران خليل جبران عن ذلك بتلك الكلمات التي تحمل حكمة عميقة: “بن منطوق لن يقصد ومقصود لم ينطق تضيع كثير من المحبة”. وهذه الجملة تمثل جوهر الفهم الصحيح للخطاب، حيث إن المعنى الذي يُراد إيصاله قد يُساء فهمه بسبب غموض في التعبير أو نقص في استيعاب النية وراء الكلام. لنأخذ مثاً مفهوم “الدقة” في التعبير: كلما كان الكام أكثر دقة، كلما كان أبعد ل عن المجال المفتوح للتأويات غير الدقيقة. لكن، مع ذلك، تبقى هناك حواجز بن النطق والمعنى، بن الظاهر والمخبأ. قد يُقال شيء ما بكلمات بسيطة، ولكن القصد وراءه قد يكون بعيداً عن السطح. الخطاب، إذاً، ليس مجرد توصيل للمعلومات، بل هو رحلة للبحث عن الفهم المشترك، ويعتمد بشكل كبير على قدرة المتلقي على قراءة ما بن السطور. وفي عالم يزداد تعقيداً ويُحاصر فيه الإنسان بالزخارف اللفظية، يصبح من الضروري أن نُحسن اختيار كلماتنا وأن نتقن فن الاستماع والتفسير. إن هذه الفلسفة في التعامل مع الخطاب تتطلب وعياً عميقاً وإدراكاً لتأثير الكلمات في تشكيل الأفكار، مما يسمح بتكوين فضاء من التفاهم والرغبة في التواصل الحقيقي.
■ الدكتور : خليفةالعتيري