الصراع بين الرقمنة و الهوية الموروثة !
من بين أهم القضايا المطروحة اليوم للنقاش و على نطاق واسع موضوع تهديد الهوية الرقمية للهوية الموروثة بمختلف أشكالها الاجتماعية . و ثمت من يجاهرون بالقلق العميق على مستقبل مكاناتهم و تخصصاتهم ووظائفهم مع تزايد الاعتماد على الأنظمة الرقمية الذكية بمختلف أشكالها وبالمثل فإن النقاش يلامس نفس الموضوع في مجتمعنا الليبي، و لكن بأقل حداثة ؛ خاصة أن ليبيا و من خلال ما كشفته مجلة ورلد World «« الأمريكية هذا العام من نتائج حول معدل متوسط الذكاء في العالم سجل الليبيون درجة %80.92 و تتقدم ليبيا في العالم العربي في الترتيب السادس حسب نفس المجلة و هي دراسة حول الذكاء الاصطناعي و ينبع الاهتمام بهذا الموضوع كونه يمس خصوصية عدد كبير من مجتمعات العالم لأنه يتناول موضوعا شائكا و حساسا وهو الموروث الثقافي والاجتماعي ويهدد مباشرة بنية مجتمعات ما قبل الرقمنة والمرتبطة بالهويات التقليدية و بالتالي فإن الحوار و النقاش يزداد سخونة و يوضح إشكالية و عمق التحول التقني لمرحلة تاريخية بالنسبة لسكان العالم أجمع .و في المقابل هنالك من لا يرى في هذا الأمر تهديدا، و يوصف هذا التحول بكونه أمر طبيعي على حد قولهم في عصر ما بعد الصناعة، و بالتالي فإن الرقمنة و الذكاء الاصطناعي لا يشكلان أي تأثير سلبي على حد قولهم و يبرهنون على ذلك من واقع التجربة . فعلى سبيل المثال شبكة الانترنت لم يكن لها أثر يذكر على مختلف خصوصيات المجتمعات و ينطبق نفس الشيء على البث الفضائي عبر الأقمار الاصطناعية الذي لم يهدد على حد زعمهم الهويات الاجتماعية والتقاليد. و بالتأكيد قد يكون للبعض رأي آخر يخالف هذه الآراء و بالتالي يكون من الصعب هضم مثل هذا الطرح مهما كان؛ حتى و لو استند إلى نتائج و دراسات البحوث النفسية والاجتماعية الحديثة ومن خلال دوائر التأثير لهذه التحولات هنالك نتائج لابد من أخذها بالاعتبار يمكن تلخيصها في الآتي:-• انكماش قنوات التواصل بين الأجيال؛ تلك الأداء الرئيسية التي يستعملها المجتمع لتحرير هويته و ثقافته من أي قيود من جيل إلى جيل جديد.• الذكاء الاصطناعي والرقمنة تحول تاريخي يتجاوز مرحلة تصفح الانترنت و الاتصالات الشبكية و لهذا فإن المستفيد الأول منه هم الشباب الواعد وعدد من المحترفين الأكبر سننا، أما غالبية كبار السن فقد ظلوا في حالة تردد و عجز و لم يستطيعوا أن يستفيدوا منه لأنهم لم يطيقوا تعلما جديدا.• سوف تزداد قدرة الجيل الجديد في الوصول إلى المعلومات بما يساهم في تعزيز الهوية الرقمية دون تصادم مع الهوية الوراثية التقليدية ودون الانسلاخ عن ماضيهم التقني في عصر ما قبل الذكاء الاصطناعي.وهكذا نحن نتجه بكل تأكيد نحو مفاهيم جديدة تشمل التخلي عن الزمن الأفقي غير الإنتاجي والتوجه إلى الزمن العمودي في توظيف كل المعارف إلى جانب توجيه الذات وأخلاقيات المجتمع الرقمي إلى التعاون مع الآخر لفك عزلته ودمجه في مجتمع الهوية الرقمية و الهوية الوراثية معا.
■ ا. د محمد شرف الدين الفيتوري