الزرع يريد .. مناجل وإيد
منذ بداية فصل الخريف لهذه السنة هطلت على ربوع الوطن أمطار غزيرة وهو ما يبشر بخير وفير خاصة في زراعة الحبوب … وأتساءل هل يمكن لنا استثمار هذه الأمطار قي زراعة القمح الذي يعتبر مكونا رئيسيا للغذاء لدينا ؟ حتى لا نستمر في استيراد هذه السلعة الضرورية ونتعرض بحكم الصراعات والحروب بين الدول إلى ما يحول أحيانا بيننا وبين الحصول على ما نحتاجه من القمح . لقد حبا الله وطننا ليبيا بمساحة واسعة من الأرض يتميز البعض منها بقابليته لزراعة القمح وبإنتاجية عالية إذا ما توفرت عوامل مساعدة أخرى من قبل الدولة مثل البذور والأسمدة وآليات الحرث والحصاد الحديثة . وبالنظر إلى أن ليبيا تستهلك 1،150,000 طن من القمح مقارنة بما تنتجه سنويا منه والذي لا يتجاوز 14241ألف طن فإننا نجد أن هناك فجوى واسعة بين ما ننتجه وبين حاجتنا للاستهلاك السنوي ولسد هذه الفجوة نحتاج إلى استيراد 1,015,47 طن هذه الوضعية المتعلقة بغذاء الشعب وحاجته الأساسية نحتاج إلى إضافة 1,31000 هكتار لزراعة القمح.. أما إذا وجد الطموح للاكتفاء الذاتي فإننا نحتاج إلى إنتاج 1.158.000طن .. وحيث إن ليبيا لا تنقصها الإمكانيات المادية والبشرية فإن كل الدراسات المتعلقة بهذا الشأن تشير إلى قدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي بل وتصدير كميات منه إذا ما توفرت الإرادة وتوظيف الإمكانيات لزراعة مساحات واسعة من القمح لسد حاجتنا وتأمين أمننا الغذائي .. إذ لم يعد من المقبول أن تكون وارداتنا من القمح من دولة أوكرانيا مثلا ما يمثل نسبة 30%40 من إجمالي وارداتنا من هذه السلعة إذ بلغت واردات ليبيا من القمح عام 2021 (600) ألف طن . أعتقد أن الفجوة القائمة بين كمية حاجتنا من القمح والإنتاج المحلي منه ناتجة عن عزوف المزارعين عن زراعته إضافة إلى غلاء أسعار البذور والأسمدة ونقص الآليات الحديثة المطلوبة للحرث والحصاد إضافة إلى تذبذب كميات الأمطار من سنة إلى أخرى وعدم وجود خطط تهدف للتوسع الرأسي والأفقي في زراعته من قبل الدولة . من المعروف أيضا أن هناك مساحات شاسعة قابلة للاستصلاح وتهيئتها لزراعة القمح في كل من الجنوب وعلى امتداد الساحل والجبل الأخضر والجبل الغربي وسهل الجفارة وسرت والبطنان هذه المساحات الواسعة حاليا المحدودة الاستثمار في زراعة القمح هو ما ساهم إلى حد كبير في وجود هذه الفجوة الواسعة بين ما نحتاجه وما ننتجه .. الأمر الذي يدعو الجهات المختصة إلى التفكير جديا في إطلاق مشروع وطني لزراعة القمح باستخدام كل الإمكانيات المتاحة والعمل على إدخال التقنيات الجديدة والميكنة الحديثة في الحراثة والحصاد والري واستيراد البذور ذات الإنتاجية العالية التي تلائم الظروف الجوية السائدة لدينا وعلينا أن نفكر الآن وبجدية وحزم في اعتماد برنامج وطني لإنتاج القمح معتمدين على قدراتنا الذاتية وخبرائنا الزراعيين في هذا المجال حتى يمكن لنا تحقيق الاكتفاء الذاتي وربما التصدير أيضا .. ويمكن أن نعمل في سياق التوجه التالي .
1 استثمار سقوط الأمطار هذه السنة والتوجه لزراعة القمح بعليا وتحريض الفلاحين على زراعة أكبر مساحة من أراضيهم .
2 إعادة هيكلة المشاريع الزراعية القائمة في كل من مكنوسة وبرجوج وإيروان وغيرها من المشاريع الأخرى التي ربما الآن تعاني الكثير من نواحي القصور في الإمكانيات .
3 دعم مشاريع القطاع الخاص وتشجيعها على زراعة القمح .. خاصة بالمناطق القابلة لزراعته في الكثير من مناطق الضاهر وسهل الجفارة التي أهملت لسنوات طويلة .
4 كما ان هناك مساحات شاسعة عرفت قديما بخصوبتها في إنتاج القمح مملوكة من قبل المناطق أو القبائل هجرها ما لكوها منذ عقود زحفت عليها مظاهر التصحر والتي كان يطلق عليها البحاير خاصة بسهل الجفارة . علينا أن نعي أننا نسابق الزمن وسط عالم مليء بالصراعات والتناقضات وعصر قلق تنامت فيه حاجات الناس الضرورية فأصبح لزاما علينا أن نعمل على سد الفجوة القائمة في الغذاء حتى نخرج من مذلة الحاجة إلى الآخرين .. وإذا كان أجدادنا قديما يهزجون في وقت الحصاد(الزرع يريد مناجل وإيد) فاعتقد أن الزرع الآن يحتاج إلى خطط وبرامج ودراسات علمية وحشد للإمكانيات وقبل كل ذلك إرادة سياسية تنفذ ما تعد به في إطار الوضوح والشفافية لتجاوز واقع الاعتماد على الخارج في توفير الغذاء .
■ عبدالله مسعود ارحومة