منذ الأزمنة الأولى، كانت البشرية في حالة حركة وتنقل من مكان إلى آخر، ومن بلد إلى آخر. هناك دافع قوي يجعل البعض يقدم على الهجرة، حتى ولو كانت هجرة غير قانونية، وما يترتب عليها من مخاطر وعقبات؛ فالأمر يتطلب المغامرة في النهاية.هناك بعض الناس ينتقلون بحثًا عن العمل أو لأسباب اقتصادية، ومنهم من يهاجر سعيًا لتحصيل أكاديمي.. بينما يتنقل آخرون هربًا من الصراع أو الاضطهاد أو الإرهاب أو انتهاكات حقوق الإنسان، وبعضهم يهاجر بسبب آثار تغيّر المناخ والعوامل الطبيعية والبيئية وغيرها من المؤثرات . وهنا نتحدث عن الهجرة غير القانونية التي تدفع الإنسان إلى ترك أهله وذويه، وترك مسقط رأسه، ويركب البحر في جوف الليل عبر قوارب الموت ليقطع آلاف الأميال، غير مبالٍ بالأمواج العاتية والعيون الثاقبة من أفراد حرس السواحل، وينطلق نحو المجهول دون أن يعرف ماذا ينتظره في حال وصوله إلى الضفة الأخرى، وهل ياترى سيسعد بحياة مبهجة أم سيلقى حياة مرة وقاسية وتعيسة، أو يبتلعه البحر وتأكله الأسماك ؟ غريب كيف يقدم الإنسان على مغامرة محفوفة بالمخاطر والأهوال بنفسه ؛ لابد أن الدافع أكبر، جعله ينقاد وراء المجهول ويخوض هذه الخطوة القاسية. يقول أحدهم من الذين يفكرون في الغربة إنه يشعر بحسرة وغن وهو يرى عودة المهاجرين من الدول الأوروبية إلى بلدانهم البائسة، وهم محملون بالهدايا والأرزاق والسيارات الفخمة وما إلى ذلك، وهو معدم فقير يكاد يجد ما يسد رمقه بشق الانفس . ويقول آخر إن البيئة نفسها طاردة، فهو يسكن في فضاء سحيق عديم الاخضرار، مليء بالأتربة والغبار. ويقول ثالث مرددًا إن أرض الله واسعة، ولماذا يحصر الإنسان نفسه في مكان واحد من الولادة حتى الموت، وأن الطيور نفسها تهاجر والحيوانات أيضًا، وفي هذه الحالة، الإنسان أولى بأن يهاجر إلى المكان الذي يختاره ليعيش فيه. الملاحظ أن الهجرة إلى الدول المتقدمة مستمرة ومتزايدة رغم مكافحتها والحد منها. وليبيا، من البلدان المتضررة من هذه الهجرة غير القانونية، باعتبارها بلد عبور؛ الأمر الذي يسبب عبئًا ثقي على كاهل الدولة، اإضافةً إلى التداعيات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي تنعكس على المجتمع بأكمله .. لذلك يجب العمل على مكافحتها والحد منها، وردع كل من يسهم في تسهيلها واستغلالها والربح من ورائها .
■ عبدالرزاق يحيى