مقالات

ثقافتك القانونية

تصنيفات القضاء وجهاته

نظرا لتشعب الحياة القضائية , وازدياد القوانن التي تحكم الحياة الاجتماعية , وتطور أنظمة المحاكم وتباين درجاتها , يثار تساؤل جد مهم : هل للقاضي تصنيفات , وهل له من جهات ؟ وهل عمله بناء على ذلك يتصف بالوحدة أم التعدد ؟ , للإجابة ولمزيد من التحليل , نقول :نظمت النصوص الدستورية ومواد القوانن العادية الخاصة قواعد إجراءات المحاكمة التي شملت : تشكيل المحاكم , اختصاصها , واجباتها , أحوال رد القضاة وعدم صاحيتهم لومخاصمتهم , درجات التقاضي , طرق الطعن وشروط صحة الأحكام , لغة المحاكم , علنية الجلسات وشفوية المرافعات , وحضور الخصوم . وفد وضعت تلك النصوص مبادئ عامة للتنظيم القضائي , ومنها : استقال القضاء ل, المساواة أمام القضاء , مجانية القضاء , تعدد درجات التقاضي , القاضي الفرد وتعدد القضاة . تستهدف تلك النصوص في جملتها تمكن القضاء من أداء رسالته المقدسة على أكمل وجه وأتم صورة , هذا القضاء الذي قالت بشأنه المحكمة العليا : “… هو الركن الركن والحصن الحصن , الذي يحمي كل مواطن – حاكما كان أو محكوما – , من كل حيف , في يومه وفي غده وفي مستقبله …” . (طعن دستوري . 4/4 . جلسة 14 . 6 . 1970م . مجلة المحكمة العليا الليبية . الستة 7 . العدد1 . ص 9) . القضاة بعد الرسل , هم ظل الله في أرضه , وحكامه بن خلقه , بالعدل قامت السموات والأرض , ورفعة القاضي رفعة للأمة التي هي مصدر السلطات , وتمكن للعدالة التي هي تمكن لذوي السلطان والملك. إن تحديد جهات القضاء ليس بقصد التأصيل (التقعيد) لها , بقدر ما هو بيان لماهياتها على أساس أن الأصل في القضاء لا يقوم بصياغة نظريات عامة وإنما يحكم في الدعاوى المعروضة عليه ويطبق عليها حكم القانون بحسب كل حالة على حده . حدد القانون الجهات القضائية على النحو التالي :

■ القضاء المدني : يشمل القضاء المدني بمعناه الواسع , القضاء في المعامات المدنية والتجارية وغيرها من المعامات الخاصة , إذ تخضع هذه لمعامات جميعها كقاعدة لقضاء موحد يطلق عليه تعبير القضاء المدني .

■ القضاء الإداري : يتميز القضاء الإداري عن القضاء المدني في أنه ليس مجرد قضاء تطبيقي مهمته تطبيق نصوص مقننة مقدما , بل هو في الأغلب قضاء إنشائي يبتدع الحلول المناسبة التي تتفق وطبيعة روابط القانون العام واحتياجات المرافق العامة ومقتضيات حسن سيرها وضرورة استدامتها , والتي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص التي وضعت أساسا لتحكم العاقة بن الأفراد , لوالتي لا تنطبق وجوبا على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص يقضي بذلك , فإذا لم يوجد نص فا يلتزم القاضي الإداري بتطبيق قواعد القانون الخاص حتما وكما هي , وإنما له حريته واستقاله في ابتداع الحلول المناسبة لللروابط القانونية التي تنشأ في مجال القانون العام , بن الإدارة في قيامها على المرافق العامة وبن الأفراد , فله أن يطبق من قواعد القانون الخاص ما يتاءم معها وله أن يطرحها إذا كانت غير متائمة معها , وله أن يطورها بما يحقق لهذا التاؤم . هذا بالإضافة إلى ما أكدته المحكمة العليا بأن الإجراءات القضائية الشكلية أمام المحاكم الإدارية مستقلة عن تلك الإجراءات أمام القضاء العادي وذلك بقولها : ” إن المسلم به في الفقه الإداري أن قواعد التقاضي أمام المحاكم الإدارية مستقلة عن قواعد المرافعات المدنية وليست استثناء منها , ويترتب على استقال قواعد المرافعات الإدارية لأن القاضي الإداري ليس ملزما عند انعدامها بالرجوع إلى غيرها ما لم ينص القانون على ذلك ومن ثم فله أن يثبت بنفسه قواعد قانونية إجرائية إدارية ..” . (طعن إداري . رقم 3/3ق . جلسة 3 . 6 . 1960م . القضاء الإداري والدستوري . جزء 1 . ص 51) . ومما يتميز به أيضا القضاء الإداري , أنه لم يحدد له كأصل عام طرق معينة للإثبات كما هو معمول به في النصوص المدنية للقضاء العادي , فالإثبات في القضاء الإداري يقوم على الاقتناع المطلق . وإذا كان مبدأ المشروعية يقطع دابر التحكم من جانب القضاء العادي , حيث يتطلب الاعتماد على التشريع ولا شيء غير التشريع , فإن القاضي الإداري يجب عليه أن يحكم حتى إذا لم يوجد نص تشريعي .

■ القضاء الجنائي : يفصل هذا القضاء فيما ترفع إليه من الدعاوى الجنائية وتلك المدنية المرتبطة بها , وفق نصوص القانون الجنائي (بشقيه العقوبات والإجراءات) . لهذا القضاء دور إيجابي فيما هو مطروح أمامه , لما له من حرية واسعة عند الفصل , والسلطة التقديرية عند تقييمه للأدلة الجنائية , بل له أن يحكم ببراءة المتهم رغم اعترافه , خافا للقاضي المدني فدوره سلبيا إلى حد ما لعند نظره الدعوى المدنية . ومن جانب آخر فإن عمل القاضي المدني يدور حول نصوص قانونية ووقائع مادية , أما عمل القاضي الجنائي فموضوعه الإنسان الذي هو محور العدالة الجنائية . إنه إنسان حي يتحرك وله بواعثه ودوافعه وعواطفه , أما العدالة المدنية فتهتم بالحق المجرد وحده لإعطائه لصاحبه , فالاختاف بن القضائين أساسيا ومعه اختاف الهدف الذي يسعى كل منهما إليه .

■ القضاء الشرعي : يحكم القضاء الشرعي في منازعات الأحوال الشخصية والمسائل المتعلقة بأصل الوقف بالنسبة للمسلمن الليبين , يوبالنسبة للأجانب أيضا إذا كانت أحكام الشريعة الإسامية هي الواجبة التطبيق طبقا لقواعد الإسناد المقررة في القانون المدني .

■ القضاء العمالي : يختص هذا القضاء بالنظر في القضايا العمالية المستعجلة . والجدير بالتنويه أن القانون قد جعل التقاضي على درجتن (جزئي واستئناف) , والقضاء العالي المتمثل في المحكمة العليا التي بها أيضا دوائر : القضاء المدني والجنائي والشرعي والإداري , مضافا إليها القضاء الدستوري .

■ الدكتور : مسعود عيسى العزابي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى