مقالات

إلى متى نتجاهل ظاهرة الغش؟

من الأمراض التي تصاب بها المجتمعات ظاهرة الغش في الامتحانات والتي لا ينتج عنها إلا واقعا كارثيا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني التردي والسقوط .. فالمجتمع الذي تتفشى فيه هذه الظاهرة لا يرى في أبنائه إلا أفرادا ناجحين نظريا .. فاشلين عمليا .. وأعتقد أن هناك أسبابا جوهرية أدت إلى تنامي ظاهرة الغش في الامتحانات إلى درجة قيام حتى الطالب المتفوق ممارسة هذا السلوك المشين رغبة منه في ضمان نجاحه كما يعتقد دون أن يدري إن ذلك لا يدل إلا على ضعف ثقته بنفسه .. ولمعرفة أية ظاهرة لا بد من الوقوف على أسبابها .. وأعتقد أن النقاط التالية تبين بعضها وليست كلها ومنها :* يعتبر الطالب أن الغش ضمان لنجاحه في الامتحان.* بعض الطلاب يعتبرون مساعدة زملائهم على الغش واجب تحتمه روابط الصداقة.* الرغبة الملحة في التفوق والحصول على تقدير عال ولو كان وسيلته الغش وهنا يحمل الطالب صفة ليس أهلا لها على الإطلاق .* عدم الاهتمام بالجانب التربوي والتوجيه الأخلاقي خلال العام الدراسي ويتم حاليا التركيز على المحور التعليمي فقط وعبر التلقين .* ضعف الرادع القانوني لمواجهة ظاهرة الغش .. واقتصار الأمر على الحرمان من الحصة التي غش فيها الطالب وهو أمر أراه غير كاف لمواجهة هذا السلوك المشين .* أقولها وبكل أسف إن هناك البعض من أعضاء لجان الإشراف على الامتحانات – وأعني لجان المراقبة – من يمنح ضميره إجازة خلال فترة الامتحانات لتمكين الطلاب من ممارسة هذا السلوك غير السوي . اعتقد بأنه آن الأوان للقيام بجهد وطني للتصدي لهذه الظاهرة بتحليل الأسباب ومن ثم الوقوف على تداعياتها الخطيرة على الفرد والمجتمع ومن خلال ذلك يمكن الوصول إلى حلول جذرية لاجتثاث هذه الظاهرة المتورمة بجسد المجتمع .. واعتقد أن وزارة التربية والتعليم يقع عليها عبء هذا الجهد بمساندة المؤسسات الدينية والإعلامية لجهودها الرامية إلى تحقيق الانتصار في المواجهة مع هذا الواقع الذي بدأ ينتشر في خلايا المجتمع ليعمل على إنهاكه .وإذا كان طلبة اليوم هم رجال المستقبل الذين سيتولون مسؤولية قيادة الوطن فكيف يمكن لهم النجاح في هذه المسؤولية التاريخية إذا كان نجاحه وحصوله على الشهادة جاء عبر الغش ولم يكن نتيجة لجده واجتهاده ؟!الغش لا ينتج عنه إلا كوادر فاشلة والطالب الذي ينجح بالغش إذا اختار دراسة الهندسة مثلا فلن يكون مهندسا ناجحا وسيكون مسؤولا عن كل عمليات البناء التي لا تتطابق مع مواصفات الخرائط الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيارها في وقت قصير.إذن كيف يمكن الحد من ظاهرة الغش حتى يمكن لنا صنع كوادر موثوق في قدراتها وإذا كان الإنسان أغلى ثروات أي مجتمع والنجاح في بنائه البناء الجيد يمكن المجتمع من النهوض والتقدم ..وانطلاقا من ذلك فإني أشير إلى جملة من النقاط التي يمكن أن تكون أساسا لمواجه ظاهرة أصبحت تشكل تحديا قائما أمام الجميع .* اختيار اعضاء لجان المراقبة من المشهود لهم بالنزاهة والحزم والذين يضعون نصب أعينهم بأن مهمتهم أمانة في أعناقهم سيحاسبون عليها يوم القيامة والذين يتخذون من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا).* القيام بمحاضرات وحلقات النقاش بالمؤسسات التعليمية حول خطورة الغش وبأنه سلوك مرفوض دينيا وأخلاقيا ويستهدف بها أعضاء هيئة التدريس بكل مؤسسة تعليمية.* قيام وسائل الإعلام بدورها الجوهري في توضيح تداعيات هذه الظاهرة والتركيز على دور الأسرة والمدرسة في التصدي لها .* التأكيد على الحزم خلال الامتحانات عبر تشكيل لجان للمراقبة والمتابعة في زيارات مفاجئة للوقوف على سيرها في ظروف لا تسمح بالغش .* مراجعة لائحة العقوبات المتعلقة بالغش وإضافة نقاط جديدة لها تكون رادعة وملزمة التطبيق بدون مجاملة أو التسامح مع مرتكبيها .* يجب أن يوضع أكثر من نموذج لأسئلة كل مادة منعا للتسرب . علينا أن نخلق قناعة لدى الطلاب أن من يريد التفوق عليه الاعتماد على اجتهاده والمواظبة على الدروس والحرص على الحضور بالدوام المدرسي .. وتوضيح أن التفوق من خلال الغش لا قيمة له وأن الطالب نفسه يعلم في قرارة نفسه أنه غير جدير بهذا التقدير . كما إنني أنوه على دور الأسرة في التصدي لهذه الظاهرة المشينة وذلك بتربية ابنائها تربية سليمة تنبذ الغش وتحرض على الاجتهاد والاعتماد على النفس حتى نصل إلى الهدف المنشود والمتمثل في بناء جيل يستطيع حمل الأمانة الوطنية بكل اقتدار .

■ عبدالله مسعود ارحومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى