الإهتمام بالتاريخ وتمجيده يكاد يجعلنا ننسى الحاضر بجميع أعبائه ونتجاهل المستقبل بكل طموحاته وآماله، إهتمام وتركيز يجعلاننا نعيش في غيبوبة ويبعداننا أكثر وأكثر عن واقعنا المزري وحاضرنا البائس ناهيك عن تجاهل تام لضرورات المستقبل وسبل الإعداد له وكيفية تهيئة هذا الجيل للحاق به ومواكبته، إذن لنترك التاريخ جانبا، فالعودة المتوترة اليه تجعله فخاً هائ اً يشوش على الحاضر وربما يصادر المستقبل ايضاً. ويحضرني في هذا السياق قول الشاعر معروف الرصافي : وما يجدي إفتخارك بالأوالي .. إذا لم تفتخر فخراً جديدا وهل إذا كان حاضرنا شقياً .. نفخر لكون ماضينا سعيدا من هنا ندرك بجلاء أن الرابح هو من يكتب تاريخ المستقبل لا من يتعلق بوسادة الماضي، الانتماء إلى المستقبل ينقذ تاريخنا من الاندثار، يحوله وقوداً لقطار التقدم، لذا علينا أن ننظر دائماً إلى الأمام، ولا بأس بالتفاتة خفيفة إلى الوراء يكون الهدف منها أخذ العبر والدروس من تاريخ بناه سوانا وشيّد أسسه ودعائمه غيرنا والإستفادة من تجارب الأولن بحيث نقلد نجاحاتهم إذا كان ذلك ممكناً ونتجنب زلاتهم إذا كان ذلك ضرورياً ونقدم لهم ولتاريخها تحية وداع لا أكثر .. لا يمكن لأمة أن تعيش على الماضي وتقتات منه طول الوقت، ولا أن تتكئ على جدار التاريخ وتنتظر منه أن ينقذ حاضرها ويصنع مستقبلها، لابد لنا أن ننظر حولنا ونمعن النظر في هذا العالم الذي يتطور بسرعة مذهلة وأن نتفحص كل ما يجري حولنا لنتخذ القرار الشجاع الذي يساعدنا على اللحاق بقطار العصر وركوبه وربما قيادته .. بإختصار نستطيع القول بأننا قد لا نفهم الحياة الا بالنظر إلى الوراء، لكننا لن نستطيع أن نعيشها الا بالسير إلى الأمام .
* خالد الديب