عندما لا تتناغم الثقافة مع الذات، تتشظى الرؤى ، وتتناقض المواقف، وتسود ثقافة الحسد والإقصاء، وهي التي روجت وكادت لرجل يدعى (ابن مقلة)، الذي طور الخط العربي وهندسه، حتى بلغ به شأنا عظيما ،فوصف خطه بأنه أجمل خطوط الدنيا، وعنه انتشر الخط العربي في مشارق الأرض ومغاربها، وعلى طريقه سار الخطاطون من بعده. فقد كاد الحاسدون له عند الخليفة، حيث ألقي القبض عليه فسجن ، ثم صدر أمرا بقطع يده اليمنى ، التي كتبت القرآن الكريم مرتن ، وذلك عام 324 ه ، حصل ذلك بإيعاز من (ابن رائق) الذي كاد له ثم استولى على مقاليد الحكم ، وقرن اسمه باسم الخليفة، في الدعاء على المنابر، وقيل أن يده ألقيت في نهر دجلة ، يأتي ذلك في غياب من يقول : لماذا ؟ ، في زمن برزت فيه ثقافة الأزمة .! لكن الخليفة ربما استفزته أداة الاستفهام: لماذا ؟ ولكن بعد فوات الأوان، فعاد وندم على إصداره ذلك الأمر المجحف ، الذي اتضح للخليفة أنه أمر كيدي، فأمر الأطباء بمعالجته في سجنه، حيث يروي الطبيب المداوي وهو الحسن بن ثابت بن سنان بقوله: كنت إذا دخلت عليه، في ذلك الحال ، يسألني عن أحوال
ولده الحسن فأعرفه أحواله ، فتطيب نفسه، ثم ينوح على يده ويبكي وهو يقول: قد خدمت بها الخلافة ثاث دفعات ، لثلاثة خلفاء ، وكتبت بها القرآن الكريم دفعتن ، والآن تقطع كما تقطع أيدي اللصوص.! فأسليه وأقول له (هذا انتهاء المكروه ، وخاتمة المقطوع) .! فينشدني بقوله : إذا مات بعضك فابكي بعضا فإن البعض من بعض قريب .! ولم يرق للخليفة الراضي أن يبقى ابن مقلة في السجن ، فأرسل من يخلي سبيله ، ولكن من يرد إليه يده ؟؟ ولماذا هذا الإقصاء المهن .؟! إنها مرحلة سادت فيها أحادية التفكير ، فسيطر الإقصاء على المواقف، فخسرت الأمة ، يد رجل كتبت القرآن مرتن وبخط يده، لم يخلفه أحد حتى اليوم ، وهكذا برزت المكائد والدسائس فنخرت جسد الأمة حتى طمع فيها عدوها.
* الدكتور: خليفة العتيري