والموروث الثقافي الإسامي كان مؤثرا تأثيرا واضحا ومتجددا عبر فترات لاتنقطع .. فقد كان للتواصل مع قوافل الحجاج الأندلسيين إبان سيادة الحضارة العربية في الأندلس والمغرب تأثير واضح في الأنغام التي ظهرت فيها روح «الفلامنكو» الأندلسي كما ترك الأتراك كثيرا من تلويناتهم في اللون الطربي ويجد المتابع في غنائنا (أمان) بتضخيم صوت حرف الميم حتى تناسب النطق التركي لهذا الحرف ويستمع وهو يتابع نغما من ليبيا (آه .. يا لا ..للي آمان) ولاشك أن كثيرا من «الطقاطيق» الخفيفة حملت كثيرا من الحس التركي، والمؤرخون يذكرون لنا أن الأتراك اسسوا «المدرسة الرشدية العسكرية» في طرابلس في أواخر القرن التاسع عشر وليس من شك في أنها بما كانت تنشره وتطوره من الموسيقى العسكرية وبآلاتها
الموسيقية وأعام الطرب والموسيقى الترك الذين كانت تستدعيهم المدرسة للترفيه عن «العسكر» .. كل ذلك ترك أثرا بالغا في الفن الموسيقي في ليبيا وهو ولاشك في أنه كان أقل تأثيرا وأقل تفاعلا من التأثير الأندلسي، الذي بدأ في التفاعل مع الفنون الليبية فيما يرد عبر قوافل الأندلسيين في رحلاتهم إلى الشرق وكان كثير منهم يطيل التوقف في ليبيا كما رأينا عند كثير من الأعلام كأمية بن الصلت الموسيقار الفيلسوف الأندلسي الذي ترك بصمات واضحة في موسيقى الأندلس وأثار كثيرا من اللغط والجدال حول بعض التطويرات التي احدثها إما متأثرا ببعض الحضارات التي خالطها أو متأثرا بتأملاته في الصوت في الطبيعة مستلهما منه تنغيمات تحدث عنها ووثقها ثم جعلها ألحانا تفشت وانتشرت في الأندلس وقد انتشرت منها ألوان عند إقامته هنا في طرابلس فترة طويلة ترك فيها تأثيرات كثيرة في الأغنية الليبية من أهمها استحداث الأغنية ذات المطلع الذي هو مرجع الأبيات من بعده .. فالمطلع من شطرين بقافية واحدة .. وتكون الأبيات من بعده بقافية أخرى في الشطرات الثلاثة وفي الشطرة الرابعة تكون القافية هي قافية المطلع، ليقوم المجاميع بتردد المطلع من جديد ولأن البيت يتكون من 3 شطرات فيظهر كالأعرج يقف على رجل مفردة فقد سماه العارفون (بورجيلة) .. وكانت قوافل الأندلسيين لا تنقطع ذاهبة إلى الشرق أوراجعة منه وهي لابد لها أن تتوقف في طرابلس وبرقة في ذهابها وفي إيابها وربما أوغلت القوافل في الصحراء
فمرت بفزان التي عرفت كثيرا من ألوان التأثيرات الإفريقية بكل ألوانها عبر القوافل والرحلات التي لا تنقطع. ومن هنا كان الغناء في فزان وأطرافها ثريا بهيا غنيا، وترك بصماته في كل الغناء الليبي على امتداد المسافات في المكان وفي الزمان وفي الألوان ومن الأندلس تلقى أجدادنا «الغناء الغرناطي» وهو الذي لونته الذائقة المغربية في أقطار شمال افريقيا كل منها بلونه هو .. فأنت تسمعه في تونس وتسمعه في المغرب وتسمعه في الجزائر وفي ليبيا فتجده يختلف بعضه عن بعض اختلافا تاما حتى لا تشابه بين المغرب وليبيا في شيء إلا في الأصل العام وهذا معناه أن كل قطر استقبل الفن «الغرناطي» الرائع بلونه هو وتفاعل معه بحسه فهو الغرناطي باللون المحلي في كل قطر من الأقطار.
- عمر رمضان اغنية