طارق وبارق مقلب الشراب
لم يتفوق برنامج شط الحرية على بقية المسلسلات والبرامج الرمضانية فى تحقيق أعلى نسبة مشاهدة قياسا بالبرامج الأخرى وما أكثرها ؟ لم يتفوق فى سباق المشاهدات فقط لأن أسماء ممثليه تشبه أسماء الأجداد والشيوخ ، وترتبط بالوجدان الشعبي وتلامس مخيلته وتشبه أبطال الملاحم والأساطير الشعبية ، بل لأن الممثلين أعطوا دروسا في التلقائية والهدوء والرصانة والمرونة وعدم التصَنع والعقلانية في التمثيل امام الكاميرا ،فأعطوا درسا فى التلقائية والتجسيد والتشخيص إلى درجة التماهي مع الدور فتحول (مقلب الشراب) بفضل ممثليه إلى بوليود ليبيا مع الفارق فى التشبيه ، وبينما تبدو المشاهد خالية من تقنيات الإضاءة وضبط الصوت الذي يتداخل أحيانا ويختفي أحيانا أخرى وهذا لا يعيب العمل بقدر ما يحفز المخرج على تلافي هذه التفاصيل مستقبلا ، وبالمقابل فلقد قدمت بعض القنوات أعمال رمضانية متعددة لكنها رغم انتشائها بالديكورات والإضاءة والتقنيات الحديثة فقد ظهرت تلك البرامج الباذخة فى الشاشة كمن ضمن النجاح واسترخى لحصد النجاح بلا موهبة أو جهد ،فبدأ بعض الممثلين كمن يخبط خبط عشواء ويلقي كلمات حفظها عن ظهر قلب بدون تفاعل أو إحساس مما أفقد المشاهد الرغبة فى المتابعة والاسترسال فى المشاهد ، فكان التمثيل والكلام والحركة كيفما تأتي ، وكيفما أرادوا هم والمخرجين لا كيفما تكون الحبكة الدرامية وكما يحب الجمهور المشاهد ، لكن شط الحرية تفاعل مع أمواج بحر الإبداع بسلاسة وعفوية ، مستندا على مخزون هائل من التراث الشعبي والأمثال والأشعار والحكم ، وهكذا فمقلب الشراب وشط الحرية لم يتفوق في هذا الموسم الرمضاني المبارك فحسب ، بل تفوق قبل سنوات ومنذ البداية حينما وزع الابتسامة الممزوجة بالنقد والتوضيح والترشيد ، فصنع منتجه الإعلامي الكاسح ومزج بين هموم المواطن والوطن وعبث الساسة والحكومات وكأنه تحول من مقلب الشراب إلى مقلب الهموم ، وعلى رأى ابن شقيقي «حسام« فقد نجح البرنامج في نقل الجدل الدائر في أروقة السياسة والمؤسسات المختلفة إلى شاشة التلفزيون ، من خلال الواقعية الممزوجة بالسخرية والكوميديا، فالمواطن المشاهد يتابعه لأنه يقوم بالتهكم على الأخطاء في السياسة والاجتماع وفى إدارة الدولة ، ولذا تفوق شط الحرية على بقية شطوط صناع المتعة والبرامج الرمضانية ، ولعل الخوف كل الخوف هو فى ظهور عقلية النجومية والمادة وتحول الممثلين إلى معلنين للسلع والتجار ، فالمواطن يقبل مقلب الشراب كمتنفس لكنه قد لا يقبله كمعلن لتسويق بضاعة تم جلبها إلى المقلب بطرق غير سليمة واعتمادات لا تخلو من شبهة التلاعب ، وختاما فإن النجاح الحقيقي هو في الاستمرارية والتطور والنضج وعدم تكرار الشخصية وتقليد بعض الممثلين لحركات أو إيماءات ليست تلقائية فذلك طريق فقد التواصل مع الجمهور ، فالناس لا تبحث عن عادل إمام جديد أو قزقيزة جديد بل تبحث ويشدها الابتكار والتجديد والعمل الجيد والهادف ، العمل المرئي الذي يزرع البسمة ويعطي الأمل ويدعو للخير والعمل الصالح ويجمع الوطن ويبتعد عن النعرات والجهوية ويسمو ويحلق عاليا فى سماء الإبداع والتجديد ، وهى خلطة النجاح المستمر والتفوق، وبالمناسبة كان لكلمات أغنية المقدمة أي التتر كما يقول المتخصصون كان لها أثر جميل ووقع حسن على المتلقي لما فيها من شجن ولوعة الفراق والرغبة فى اللقاء والدعوة إلى لم الشمل ونبذ الفراق المر، تقول كلمات المقدمة : لا طارق ،لا بارق وينك. . وينك لا طارق لا بارق وين مفارق ؟ يلي نوم عيوني سارق انت تمشي ماتودعني ماني عارف وين اجلوتك ؟ ، وانت مفارق كان تريد الربح اسمعني راني
شارق ، من غادي يابال امفارق وينك لا طارق لا بارق ؟، وقد وجدت ذه الكلمات للمبدع القابسي صدى جميل فى نفوس الناس .
* د. أبو القاسم عمر صميدة