في تسعينيات القرن الماضي طفت على السطح الأمني ظاهرة اختفاء جوازات الأجانب من بعض فنادق العاصمة الليبية في رواية تقترب من روايات عبير او الروايات البوليسية التي تقرأها طائفة عريضة من الشباب والمراهقين .. وحيرت الظاهرة القيادات الأمنية بالعاصمة آنذاك وقد كنت ممن اهتم بالظاهرة لوقوعها في مجال اهتمامي كظاهرة يغلب عليها طابع الاتصال بالجن والقرين والسحرة والمشعوذين وهو الملف الذي كنت اشتغل عليه لفترة طويلة ولا زلت .. طبعا الأجهزة الأمنية تشتغل وفق المبدأ الأمني الذي يقول بان لكل جريمة فاعل من بني البشر وان النص سن لكل فاعل عقوبات تتراوح بين الغرامة والحبس والسجن والاعدام وان دور الأجهزة الأمنية ممثلة في الشرطة والبحث الجنائي يقضي بضبط المجرمين وفك الالغاز الأمنية وجمع الاستدلالات واحالة المتهمين الى النيابة العامة لتتولى دورها في إقامة الدعوى الجنائية ومن ثم إحالة المتهمين الى ساحة القضاء .. وفي ظاهرة اليوم توصل المحققون من الوهلة الأولى الى بعض الخيوط الرفيعة بعد ان قام عدد من الأجانب بالإبلاغ عن ضياع مستندات سفرهم في احد فنادق العاصمة قبل ان يعثروا عليها بعد ذلك في أماكن غير منظورة داخل الفندق او ملقاة في أماكن غير منظورة أيضا في الشوارع المجاورة للفندق وحينها قام بعض الأجانب بالتوجه الى مركز الشرطة الذي فتحوا فيه محاضر بالضياع لإغلاق المحاضر بعد العثور على الجوازات وقد كان الامر طبيعيا لدى رجال الامن قبل ان تزداد حالات فقدان الجوازات والابلاغ عن ضياعها بشكل يومي او اسبوعي قبل العثور عليها وتشكلت لدى الأجهزة الأمنية عقيدة تتعلق بان الضياع يتم بفعل فاعل وبشكل عمدي فقرر المحققون التحقيق في احدى الحالات واكتشفوا كما يكتشف حملة شهادة الصف الرابع الابتدائي بان الموضوع يتعلق بالجن او القرين الذي يخطر له العبث بمستندات سفر الأجانب نزلاء احد الفنادق في العاصمة فينقلها الى أماكن غير منظورة داخل الفنادق وخارجها حسب مزاجه.. وحديث الجن وافعال الجن والقرين وافعال القرين من الاحاديث التي يفقه فيها الليبيون عالمهم وجاهلهم ذكرهم وانثاهم اكثر من أي شعب اخر في الدنيا .. المهم ان البوليس لا يؤمن في مثل هذه الاحوار الا بدور ام كلثوم كما كان يصفها بعض رجال الشرطة في سبها حيث كنت اقضي سنواتي الدراسية الجامعية اذ يطلقون على الفلقة تسمية ام كلثوم وهو تشبيه في محله لأسباب لسنا بصدد التوقف عندها .. توصل المحققون الى ان تحديد أماكن الجوازات المفقودة تم عبر فقيه او شيخ او ولي صالح كما يحب البعض تسميته والذي اكد بانه يستعين ببعض الجنون العلويين لمساعدته في حل مشكلة الجوازات المفقودة وعندما غنت ام كلثوم على قدميه زمنا من الوقت او وقتا من الزمن اعترف بان له شريك من موظفي الفندق يقوم بسرقة الجوازات ووضعها في أماكن غير منظورة لايستطيع الوصول اليها الا الجن الأزرق ثم يقترح على الأجانب الاتصال بالشيخ (الجن الأزرق) لحل المعضلة ويزود الموظف الفندقي الشيخ بمكان الجواز فينقل المعلومة الى الأجنبي المسكين نظير مبلغ مالي بالليبي او بالدولار.. وأخيرا ارشد الشيخ الأجهزة الأمنية الى الموظف وتم القبض عليه واحيلا الى ساحة القضاء في بلد لم يكتف بما يعشش فيه من الجهل وما يعشش فيه من الخرافة من زمان اوي الى يومنا هذا فاراد ان ينقلها حتى الى الأجانب المساكين أيضا في اطار تلاقح المعارف والعلوم والحضارات.
* عبدالله الوافي