رسمت الاحاطة التي قدمها المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي في إحاطته أمام جلسة مجلس الأمن يوم الخميس الماضي صورة قاتمة للأوضاع في ليبيا وأكدت أن الطريق نحو الامن والاستقرار لازال بعيدا ، في ظل تشبت وتعنت كل الاطراف بمواقفها ورفضها التنازل لمصلحة الوطن . باتيلي قال في الجلسة أن الأطراف الليبية غير مستعدة للاتفاق على إيجاد صيغة مشتركة لاجراء الانتخابات ، وهذا يعني استمرار حالة الجمود التي استفادت منها كل الاطراف المتناحرة على السلطة عدا الليبيون ! التشاؤم بدا يسيطر على باتيلي ، ولهذا التشاؤم ما يبرره ، ففي كل لقاءاته مع الاطراف المحلية يواجه في مواقف تعكس عقليات متزمتة ترفض تقديم اي تنازلات من أجل الخروج من هذا النفق المظلم .. باتيلي يقول أن رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا لن يتخلى على منصبه إلا بإجراء الانتخابات ، ونحن نعلم أنه إلي حد الان لم يتم التوافق على قوانن الانتخابات على الرغم من استكمال إطارها الدستوري والقانوني من قبل لجنة »6+6« المشتركة بن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في عام 2023 وتمت المصادقة عليها لاحقًا من قبل مجلس النواب، فيما يرفض رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكاله تلك القوانن ويرفض مصادقة النواب عليه ، بينما يتبني رئيس مجلس النواب عقيلة صالح موقف المشير خليفة حفتر والذي يري أن الذهاب لحوار باتيلي يتطلب إما مشاركة كلا الحكومتن في المحادثات أو استبعادهما معًا . وعلى هذا الاساس يجد باتيلي نفسه في موقف لا يحسد عليه ، كل طرف يعمل على محاولة فرض شروطه ، بينما يدعو هو للذهاب للحوار دون شروط مسبقة ! ولم يفت باتيلي الإشارة إلي هشاشة الاوضاع الامنية في العاصمة لافتا الانتباه لما اسماه تنافس الجهات الأمنية في طرابلس، على مؤسسات الدولة، بما فيها مصرف ليبيا المركزي والقواعد العسكرية وهو ما يهدد الاستقرار ! وهذا في حد ذاته حكاية اخري ! الخلاصة أن النقاط العديدة التي طرحها باتيلي كشفت الهوة العميقة بن مختلف القوي والاطراف السياسية في ليبيا ، وما دعوته لها لوضع مصالحهم الشخصية جانبا والجلوس لطاولة المفاوضات ومناقشة المسائل الخلافية ، الا لإدراكه أن استمرار الوضع على هذه الشاكلة يهدد وحدة ومستقبل ليبيا وهذه حقيقة لانهم يعلمون ما لا نعلم ! بعد هذه الإحاطة المحبطة ، تظل الابواب مشرعة أمام جميع الاحتمالات ، وسنظل نترقب الأوضاع بحذر تام ، وكلنا أمل في حدوث متغيرات على المشهد الليبي قد تفضي لانفراجة ، في ظل رهان على أن يؤدي التقارب بن القاهرة واستنبول في إذابة جبال الجليد التي تراكمت بين الاطراف الليبية ويعطي دفعة لمسيرة حقيقية لعودة الحياة إلي ليبيا .
* عصام فطيس