محلياتمقالات

الجنوب الليبي بين الجرمنتيين والتوارق

يُثار جدلٌ -بين الحين والآخر- حول أيهما أسبق للحضارة “وادي النيل” (مصر) أو “دجلة والفرات” (العراق) خاصة مع بداية العصر التاريخي (3000) ق.م.. ومن حقنا نحن الليبيين أن ندرس تاريخنا القديم لنحدد موقعنا في سجل تلك الحضارات، ونظراً لتشابه بعض الملامح التاريخية في الجنوب الليبي مع مثيلاتها المصرية، يرى البعضُ أن ذلك ربما حصل بسبب أسرى ليبيين عائدين من مصر جلبوا معهم بعضَ الأفكار، أو أن الجيوشَ المصريةَ وصلت إلى الجنوب الغربي الليبي وأثّرت في سكّانه.. ولكن واقعَ الحال لا يُقرّ كلتا النظريتين، لأن بعضَ الرسوم المكتشفة في جبال “تاسيلي” يعود زمنها إلى (7000) سنة ق.م. أي قبل استقرار البشر على ضفتيْ وادي النيل وتأسيس الأسرات المصرية الأولى، حسب ذكر الفرنسي “هنري لوت” مكتشف تلك الرسوم. لذا يمكننا القول أن الحضارةَ الليبيةَ القديمةَ حضارةٌ رائدةٌ ومتقدّمةٌ على غيرها باعتراف كثير من علماء التاريخ القديم. ذكرنا في حلقة سابقة أن صور القوارب النهرية كانت واضحةً على لوحات “تاسيلي”، وهذا يعني أنها ليست مستعارة بل متأصلة، ربما عندما كان وادي “الآجال” دائمَ الجريان. وكذلك أهرامات “الحطية” التي لا بد وأنها مستوحاة من طريقة دفن الموتى وهم في حالة جلوس التي انفرد بها قدماء الليبيين، وهذه دعوة لعلماء الآثار للتأكد من أن تاريخها كان سابقاً لأهرامات “الجيزة” المصرية كما يقول البعض. ونأتي اليوم على ذكر تحنيط جثث الموتى واختراع طريقة تحول دون فسادها وتحلّلها بسرعة اعتقاداُ منهم بعودة أرواحهم إليهم في الحياة الثانية.. وقد اعتقد العلماءُ أن قدماءَ المصريين انفردوا بهذه الطريقة دون سواهم، ولكن اكتشافَ مومياء ليبية بجبال “أكاكوس” سنة 1958 قلب هذا الاعتقاد رأساً على عقب .. وهي مومياءُ الطفل “وان موهي جاج” ويعود تاريخها إلى ما بين 5400 و 5600 سنة مضت، أي قبل أقدم مومياء مصرية بقرابة 2000 سنة.. كذلك تم العثور على مومياء أخرى سنة 2008 بمنطقة “أوباري” جنوب “جرمة” يعود تاريخها إلى حوالي 7000 سنة، وهي لإنسان بالغ طوله 2.25 متر. والملاحظ أنه عندما كان قدماءُ المصريين يمارسون عادة التحنيط كانوا يستوردون المواد الضرورية لذلك من ليبيا، وبالتحديد من قبيلتي “التحنو”و”المشواش” وهي قبائل تمكّنت في وقت لاحق من الدخول إلى مصر سلمياً وكان لهم تأثيرٌ واضحٌ على الحضارة المصرية وتاريخها. (يتبع).

* الدكتور: عبدالعزيز سعيد الصويعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى