مقالات

مقامات

تاريخ "التفلسف" وخُفيّ سقراط

قد يتساءل متسائل فيقول لماذا لعن الله ابليس،وغفر لآدم عليه السلام بالرغم من أن كل منهما قد خرج عن أمر ربه فالأول لم يسجد كما أمره ربه والثاني أكل من الشجرة التي نهاه ربه عنها ؟!لماذا ؟ لأن آدم عليه السلام لما قال له ربه لماذا أكلتما من تلك الشجرة وقد نهيتكما عنها ؟أجاب معترفا ومتأدبا قائلا (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) أي أنه التمس من ربه المغفرة ولم يحاول أن يبرر ويناقش، بينما ابليس لما سأله ربه لماذا لم تسجد لآدم كما أمرتك ؟ بدأ يناقش ويتفلسف انا خلقتني من نار وهو خلقته من طين .. أنا خير منه .. وانا .. وأنا .. و هو .. الخ وكأنه أدرى وأعلم من الذي خلقه وأمره ! للفلسفة وجهان، وجه يستعمل فيه العقل للبحث عن حقائق الأشياء من أجل الوصول إلى مجتمع فاضل وإيجابي ، والفلسفة التي هذا أساسها تعود إلى القرن الرابع أو الخامس قبل الميلاد منذ طاليس وسقراط ومن بعدهما .. ، وأما الوجه الآخر للفلسفة فهو الذي يتم فيه استعمال اللسان وتوظيف الكلام لتقديم مبررات للخمول والتقاعس والسلبية بأنواعها، ويعود تاريخ اعمال هذا الوجه من الفلسفة او هذا (التفلسف) إلى الزمن والحوار الذي أشرنا إليه في مقدمة هذه المقالة .. في الأسبوعين الماضيين أعلن قسم من أقسام الفلسفة في إحدى الجامعات عن موعد لإلقاء محاضرة مفتوحة عن المستقبل المستدام، أنا لست متخصصا في الفلسفة ولكن العنوان أثار فضولي المعرفي حتى أني وجدت في نفسي رغبة في حضور هذه المحاضرة وقيدت الموعد وتساءلت في نفسي يا ترى كيف سيكون هذا التصور للمستقبل المستدام والذي لابد من أنه سيكون قائما على أسس فلسفية ومن هنا بدأت استحضر الحاضر في حضور الالتفات إلى الفلسفة فوجدت المعاناة من الانقسامات والخلافات والنزاعات وليس فقط في الشأن السياسي وإنما في أكثر شؤؤننا الاجتماعية والثقافية والدينية .. الخ مما لا ننتهي عند الاختلاف فيه والاختلاف طبيعي وصحي ما لم يتحول إلى خلاف ونزاع وصراع ، ونحن والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه تتحول الاختلافات عندنا بشكل آلي (أوتوماتيكي) إلى خلافات ونزاعات وصراعات، وللفلسفة نصيبها هي الأخرى في تعزيز هذه الانقسامات والنزاعات، فلقد سمعنا وقرأنا عن خلافات ومسميات مشارقة ومغاربة وهذا رشدي وذاك سينوي وهؤلاء عقلانيين وأولئك غنوصيين .. وصراعات تاريخية تقرأها على عناوين الكتب قبل أن تولج إلى محتواها (تهافت الفلاسفة) ويرد عليه الآخر بطريقة تبادل إطلاق النار (تهافت التهافت) .. تابعنا حوار لأستاذ كبير من أساتذة الفلسفة المعاصرين المعتبرين يتحدث عن مشروعين ثقافيين أحدهما مغاربي والآخر مشارقي ويصف الخط الفاصل بينهما و (بالفم المليان) وقول إنه يصل إلى درجة القطيعة (الأبستمولوجية المعرفية) !وعلى الصعيد الثقافي ) في حاضر مجتمعنا ( فإننا وبعد أن خرجنا من مراحل الغزو الثقافي لندخل في مرحلة العبث الثقافي خرج علينا جيل يكاد يتجرد تماما من خصائص وسمات الشخصية الليبية حتى بدأوا وكأنهم ليسوا بليبيين من فرط التبعية الثقافية لثقافات المجتمعات الأخرى ! والفلسفة لم تقصر هي الأخرى بالمساهمة في توريد أفكار ومبادئ دخيلة حتى بدأنا كثيرا ما نسمع مثقفين يؤكدون لنا عن مبدأ (لا أحد يملك الحقيقة) ويبالغون في تقديم العقل على ما سواه من مصادر المعرفة .. الخ مما يساهم بشكل كبير في اتساع الفجوة وتأجيج الخلافات والنزاعات لا سيما الدينية منها والسياسية . التساؤل الذي تجده يدور في ذهنك عندما يكون الحديث عن مستقبل مستدام هو : هل لنا أن نتصور مستقبل قائم على أسس فلسفية خال من الخلافات والنزاعات ولا أقول الاختلافات لأن الاختلاف أمر طبيعي وصحي إذا ما تم التعامل معه بشكل صحيح ،،وهل يصح لنا أن نقول بأن الفلسفة هي الأخرى يصح أن تخضع للتنقية من بعض الشوائب شأنها في ذلك كشأن بعض أي تراث معرفي آخر ؟! توجهت إلى حيث المحاضرة المعلن عنها وفي نفس المكان والزمان فلم أجد لا الأستاذ المحاضر ولا السادة الحضور فعدت بخفي سقراط هذه المرة !

■ عياد عبيد الله المقري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى