الطفل الليبي بين العامية والفصحى
حتى الساعة لم تلتفت وزارة التعليم ومراكز الدراسات ومعاهد التعليم فى بلادنا وكذلك جامعاتنا الى مسألة التعليم في مدارسنا ، ولم تجد حل لمشكلة الخلل فى اسلوب التعليم ، فالطفل الليبي مقيد باللهجة المحلية الدارجة خلال سنوات عمره الأولى بين البيت والشارع ، فهو لا يعرف اللغة الفصحى ، وتم حساب المفردات التي يكتسبها قبل دخول المدرسة بما لا يتجاوز ثلاثة آلاف كلمة ، وهنا لابد ان نذهب الى 1979م حين صدر كتاب الاسلام الثوري بعد ثورة الخميني فى ايران ، حيث جاء فيه ان الانجليز والفرنسيين بعد ان ورثوا تركة الدولة العثمانية عملوا دراسة عن سبب قوة الانسان المسلم والتى جعلت المسلمين يتوسعون من اطراف الهند الى المحيط الأطلسي الى اسبانيا فوجدوا ان الطفل المسلم وهو صغير من ثلاث سنوات الى ست سنوات كان يقرأ القرآن وقد يحفظه بما يعادل خمسين الف كلمة ، وبعدها فى حدود السن السابعة يقرأ او يحفظ الفية ابن مالك التي بها ألف بيت شعر تجمع كل قواعد اللغة العربية ، والمحصلة طفل له عقل كبير فيصبح رجل مفيد ، فالقرآن فيه مخزون لغوى مهم في الحياة ، ولكن الصورة بعد ذلك اختلفت فالطفل العربي الآن لا تتجاوز محصلته اللغوية عدة آلاف من الكلمات فقط قبل ان يذهب للمدرسة ، وباختصار كانت نتيجة الدراسة التي قام بها الانجليز والفرنسيين مذهلة ،وقد أشار إليها الباحث ” جيسين جود فري ” في كتابه المهم ) الاسلام الثوري ( فقد تبين ان الطفل المسلم كان يتم إلحاقه صغيرا بالكُتاب فيحفظ عدد كبير من المفردات والمعاني ، ثم بعد ذلك يحفظ ألفية ابن مالك التي فيها قواعد اللغة العربية وتصاريفها ، وبذلك ما ان يصل للعمر بين خمس الى ست سنوات حتى يكون لديه عقل يستوعب آلاف الكلمات وهو ما يساهم في بناء معرفة واستعداد ذهني لمواجهة متطلبات الحياة ، وعليه ومن أجل الحد من هذا التميز قامت فرنسا وبريطانيا بالتشديد على منظومة الكُتاب واستبدلتها بحجة الحداثة بتعليم مدرسي محدود التحفيز مقارنة بالتعليم في أوروبا ، فبينما تكون حصيلة الطفل الغربي خلال سنينة الأولى عدد من الكلمات يتراوح ما بين ستة آلاف الى أربعة عشرة ألف كلمة فإن الطفل العربي حاليا لا تتجاوز حصيلته من الكلمات قبل الالتحاق بالمدرسة الخمسة آلاف كلمة فقط ، والمربك والمخيف ان الطفل العربي في البيت والشارع يتحدث ويتعلم كلمات باللسان الدارج ، وعندما يذهب الى المدرسة يواجه صعوبة في فهم اللغة الفصحى مما يثقل كاهل الطفل ويجعله غير قابل للتعلم بسلاسة ، وهنا تكمن المشكلة التعليمية لدى الطفل العربي ، لذا على وزارة التعليم في بلادنا ليبيا ان تدرس هذه الوضعية وان تقوم بدراسات بديلة فهناك عدة طرق وبدائل لتوسيع أفق وعقل الطفل من خلال تطوير برامج التعليم ومناهجه ووسائل الإيضاح ، لأنه بهذه الطريقة التي تجرى بها العملية التعليمية في بلادنا فإننا نكرس التجهيل ونراكم انتاج عقول عسيرة الفهم وبطيئة الادراك وسنخسر المستقبل خصوصا في عالم بدأ يعتمد تقنية الذكاء الاصطناعي والحواسيب فائقة السرعة ، فهل تلتفت وزارة التعليم للمشكلة أم انه لا حياة لمن ننادى ؟
■ د ابوالقاسم صميدة