الاستجواب : إجراء من إجراءات التحقيق يتضمن مواجهة المتهم بالتهمة المنسوبة إليه وبالأدلة التي تجمعت ضده ومناقشته فيها وفيما يرد به عليها . فهدف الاستجواب الوقوف على الحقيقة لإثبات التهمة المنسوبة للمتهم أو إلى دليل يدفعها عنه . لذلك فإن طبيعته تكون مزدوجة : • يعد وسيلة تحقيق معينة للوصول إلى دليل إثبات ضد المتهم .• وسيلة دفاع ينتج عنها إثبات براءة المتهم , فينفي التهمة عنه إن كان بريئا أو تخفيف مسؤوليته عن طريق توضيح ظروف اقترافه للجريمة . ولما كان الاستجواب يتضمن المناقشة التفصيلية في الأدلة القائمة , لذا فإنه يختلف عن سؤال المتهم الذي يقتصر على مجرد إحاطته علما بنتائج التحقيق دون مناقشته تفصيليا في الأدلة القائمة ضده . أما المواجهة فهي : إجراء يجابه فيه المتهم بمتهم آخر , أو شاهد أخر أو اكثر , بالأقوال التي أدلوا بها بشأن الواقعة أو ظروفها حتى يتمكن من تأييدها أو نفيها . ولما كان إجراء المواجهة قد يترتب عليه ارتباك المتهم واضطرابه , وقد يشعر بالخوف أو الخجل عند مواجهته فيتورط في اقوال لم تكن تصدر عنه بغير هذه المواجهة , لذلك اعتبرها المشرع في حكم الاستجواب , ويتعين بالتالي عند إجرائها مراعاة كافة الضمانات المنصوص عليها بالنسبة للاستجواب , والتي من أهمها : ألا يكون الاستجواب قد وقع نتيجة إكراه (مادي أو معنوي) , أو أتخذ في صورة الأسئلة الإيحائية , أو بإطالة التحقيق لإرهاق المتهم …إلخ . يعد الاستجواب أمرا جوازيا للمحقق ؛ فله أن يتخذه متى شاء دون توقف على إرادة المتهم , إلا أن المشرع قد نص على وجوبه في حالة القبض على المتهم (م112إج . ج) , أما في حالة التحقيق النهائي فإن الاستجواب لا يجوز إلا ما لم يقبل المتهم أن يستجوب (م287إج . ج) . ونظرا لخطورة هذا الإجراء فقد أحاطه المشرع بالعديد من الضمانات منها : • أن تتولى سلطة التحقيق الاستجواب بنفسها (م54إج . ج) , إلا أن المشرع أضعف من هذه الضمانة عندما خول المندوب أن يستجوب المتهم في الاحوال التي يخشى فيها فوات الوقت متى كان متصلا بالعمل المندوب له ولازما في كشف الحقيقة (م55/2إج . ج) . •حضور المحامي , تنص المادة (106إج . ج) على أنه : ” في غير حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة , لا يجوز للمحقق في الجنايات أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد. وعلى المتهم أن يعلن اسم محاميه بتقرير يكتب في قلم كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن , كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا الاقرار أو الاعلان . ولا يجوز للمحامي الكلام إلا إذا أذن له القاضي , وإذا لم يأذن له , وجب اثبات ذلك في المحضر. يتضح من النص المذكور أعلاه : ا- لا يجوز استجواب المتهم ولا مواجهته بغيره في الجنايات إلا بحضور محاميه , باستثناء حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة . ب- تتوقف دعوة المحامي للحضور على وجوده , فإذا لمw يكن موجودا فلا محل لإعمال النص . ج- لم يتطلب القانون شكلا معينا لدعوة المحامي ؛ فقد تتم بخطاب أو على يد محضر أو أحد رجال السلطة العامة . د- لا يجوز للمحامي الكلام إلا إذا أذن له المحقق , فإذا لم يأذن له وجب اثبات ذلك في المحضر, فدور المحامي عند حضوره التحقيق دورا سلبيا بحسب الأصل , فليس له أن ينوب عن المتهم في الإجابة أو يترافع أمام المحقق , ولكن له أن يطلب توجيه أسئلة معينة أو إبداء الملاحظات أو الاعتراض على ما قد يوجه المحقق من أسئلة . ه – ضمانة دعوة المحامي عند استجواب المتهم أو مواجهته مقررة لصالح المتهم , لذا يجوز له أن يتنازل عنها صراحة ومقدما , فإن تنازل المتهم عن استعمال هذه الضمانة المقررة لمصلحته فلا يكون له الحق في التحدي بمخالفة الإجراءات , فالضمان المقرر في القانون قاصر على المتهم الذي يستصحب معه محاميا أو يوكله معه أثناء التحقيق الابتدائي فيمنعه المحقق من الحضور أو يغفل دعوته . w • استجواب المتهم دون إكراه : يجب أن يكون استجواب المتهم دون إكراه سواء أكان الاكراه صادرا من سلطة التحقيق أم من غيرها , وسواء كان في صورة إكراه مادي أو معنوي , وسواء اتخذ صورة الأسئلة الإيحائية أو تعمد إطالة التحقيق لإرهاق المتهم , أو تنويمه مغناطيسيا أو حقنه بعقار مخدر )مصل الحقيقة( , أو استعمال جهاز كشف الكذب لمعرفة إجابات المتهم صحيحة أو كاذبة . عليه , يكون الاستجواب باطلا إذا خولفت القواعد التي تحدد ولاية السلطة التي تجريه , أو إذا تم الاستجواب بعامل يؤثر على حرية إرادة المتهم . يجوز تصحيح البطلان بإعادة الاستجواب مع تلافي سبب بطلانه , وإذا تقرر البطلان فإن الإجراءات التي ترتبت عليه : كالاعتراف أو الحبس الاحتياطي تكون باطلة , ولا يؤدي بطلان الاستجواب إلى بطلان الإجراءات اللاحقة به أو السابقة عليه التي لم تكن أثرا مباشرا له . ومما هو جدير بالملاحظة : – وضع مأمور الضبط القضائي عبارة المستجوب عقب أخذ أقوال المشكو ضده ثم التوقيع بصفحات محضر جمع الاستدلالات , وهذا يعد خطأ , فالاستجواب من سلطة جهة التحقيق فقط , إلا ما استثني بنص القانون . – لم تميز سلطة التحقيق (النيابة العامة) بين أخذ الاقوال والاستجواب في بعض الاحيان ؛ حيث نجد أسئلة مأمور الضبط هي ذاتها ما سأله بها عضو النيابة المتهم , في الوقت الذي نجد فيه حاجة الجريمة المرتكبة للاستجواب لكشف الحقيقة . – مواجهة المتهم عند استجوابه باللغة التي يفهمها , وعندئذ يتم لاحقا ضمان المحاكمة العادلة . – لا تعد إجراءات الاستدلال من إجراءات التحقيق , وإن صاحبته أو سبقته أو لحقته . – تعددت صور التحقيق وإجراءاته , وهذا التعدد ورد على سبيل المثال لا الحصر . – يكفي لاعتبار التحقيق قد تم حصوله في الواقعة بمجرد القيام بأي إجراء من إجراءاته , وهذا ما قررته المحكمة العليا بقولها : ” .. الواجب الذي حتمه القانون هو أنه يتم التحقيق الابتدائي بمعرفة النيابة العامة وقاضي الغرقة في مواد الجنايات الذي بموجبه تحال الأوراق إلى الجهات المختصة , دون أن يبين ما هو هذا الواجب هل ينصب على كل تحقيق أو على بعضه . والذي عليه القضاء أنه قد يتوفر هذا الواجب بالتحقيق مع المتهم فقط ومواجهته بما هو ثابت بمحضر جمع الاستدلالات …” . ط/ج رقم 871/50ق . مجلة المحكمة العليا الليبية . العدد (4,3) . السنة (39) . ص 266 . – التحقيق ورقة رسمية يحمل بذاته دليل صحته , ويلعب دور الفاتحة بالنسبة للإجراءات الجنائية , ويتعين عند القيام بأحد إجراءاته إصدار الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى عند تحقق موجباته لا الأمر بحفظ الأوراق . – يجب التمييز بين إجراءات التحقيق وأساليبه في معناها الدقيق والتي يطلق عليها الفقه إجراءات جمع الأدلة وبين أوامر التحقيق التي يطلق عليها الفقه الإجراءات الاحتياطية ضد المتهم .
■ الدكتور : مسعود عيسى العزابي