التلميذ .. والواجب المدرسي
عبر ثلاثة أعداد أو أكثر من صحيفة الوقت خصصت في زاويتي الأسبوعية مقالات تهم التربية والتعليم لإيماني بأن التعليم هو وسيلة تقدم الشعوب ورقي الأمم خاصة في هذا الزمن الذي أصبح كل شيء فيه يعتمد على العلم وتطور أدواته وتعدد وسائله وتنوع اهدافه.لم أكتب هذه المقالات بالرجوع إلى مراجع كتبها تربويون آخرون ولكن اعتمدت فيها على خبرة ثمانية وثلاثين عاما في مجال مهنة التدريس بمراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والعالي لأقوم من خلال ذلك بمقارنة مع ما أراه اليوم من جوانب قصور ينال سلبا من العملية التربوية والتعليمية بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض.من العادة أن كل من يتصدى للكتابة في مشكلة عامة يضع مسؤولية التقصير على الجهة المسؤولة على هذا القطاع أو ذاك ، ولكني أعتقد أن هناك جزءا كبيرا من هذه الأخطاء وخاصة في قطاع التعليم ناتج عن المعلمين والمعلمات الذين يمارسون هذه المهنة وفي كثير من الأحيان دون شغف أو إيمان برسالة التربية والتعليم وإن اختيارهم لهذه المهنة كان بدافع ضمان وظيفة والحصول على مرتب شهري .. ووأشير هنا إلى أن هذه المقدمة لا تعني عدم وجود معلمين ومعلمات متمكنين من أدائهم ومؤمنين برسالتهم اتجاه أجيال مجتمعهم في تربية أبنائه على قيم عملية وتعليمية تجعلهم في مستوى رسالتهم مستقبلا وهي النهوض بوطنهم والعمل بجد على تقدمه.فالتعليم دائما هو محور العمل الوطني فنجاحه في تحقيق أهدافه أو الفشل في الوصول إليها وفي تذبذب المسار التربوي والتعليمي يصبح واقع البلد متأرجحا بين التميز والفشل. وأتناول في هذا العدد الواجب المنزلي الذي يراه المعلم أو المعلمة ضرورة تمكن التلميذ من مراجعة دروسه التي تلقاها خلال اليوم الدراسي واعتباره أيضا مجهود على التلميذ القيام به في المنزل من أجل استيعاب أشمل وأعمق للمنهج، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه في هذا السياق وهو ما يشكل جدلا كبيرا بين أولياء الأمور من جهة والمدرسة من جهة أخرى وهو هل الواجب المنزلي ذو فائدة تربوية تعليمية تعود على التلميذ ومن وجب الحرص عليها ؟ أم إنه يعتبر زيادة في الضغط النفسي على التلميذ ؟ ومن خلال متابعة لهذا الموضوع وجدت أن بعض المعلمات إن لم يكن أغلبهن يحرصن على تكليف التلميذ بواجبات منزلية تتجاوز قدرتهم على التحمل نتيجة لكثرة هذا الواجب إلى درجة أنه يحرم التلميذ من فرصة لوقت فراغ يقضيه في الاهتمام بهواياته أو القيام بنشاط آخر يمنحه طاقة متجددة عبر الترويح عن النفس من خلال وقت يجب أن يكون مخصصا للعب .فكثرة الواجبات المنزلية من ناحية الكم والتي يكلف التلميذ بإنجازها في الفترة الزمنية الواقعة بين انتهاء اليوم الدراسي وعودته في اليوم الثاني وهي مهمة كما تبدو شاقة ومرهقة للتلميذ تنعكس سلبا على نفسيته ورغبته في التعلم ..كل ذلك يأتي عكس ما يعتقد المعلم من أن الواجب المنزلي مهم وضروري الأمر الذي يجعل الأسرة في حيرة من أمرها إذ كيف لها أن تجد الوقت للتفرغ لأبنائها عند إنجازهم لهذا الواجب بهذا الكم وهو ما تعتبره الأسرة عبئا عليها وعلى ابنائها بعد أن يصبح الواجب المنزلي سببا في توتر التلميذ وزيادة معاناته اليومية .وللتدليل على خطورة ما ذكرناه آنفا فإن منظمة الصحة العالمية وفي دراسة أجرتها حول هذا الموضوع أكدت على أن (34 % من الأولاد ، 25 % من البنات البالغة عمارهم 11 سنة بأن الواجبات المنزلية تمثل عبئا عليهم) وحذرت نفس الدراسة على أن هذه الضغوط المسلطة على الأطفال تؤدي إلى زيادة الشعور بالضغط والتوتر العصبي وتدفع إلى السلوكيات الخطيرة والمشاكل الصحية مثل الصداع وألم الظهر وغيرها من الأعراض الصحية الناجمة عن قلق التلميذ من الواجب المنزلي المبالغ فيه ولكن هل تعني الملاحظات السابقة أنه لا ضرورة للواجب المنزلي أو يمكن الاستغناء عنه والاقتصار على الدروس بالمدرسة خلال اليوم الدراسي فقط ؟ وللإجابة على ذلك نقول إن هناك ضرورة تربوية وتعليمية للواجب المنزلي ليتمكن التلميذ من تعزيز موقعه العلمي باستيعاب الدروس من خلال مراجعتها بالبيت إضافة إلى ترسيخ المعلومات في ذهن التلميذ بالعودة إليها بالمنزل كما أن الواجب المنزلي يعتبر وسيلة للتلاميذ ذوي المستوى الضعيف لتقوية أنفسهم .. ونؤكد على أن الواجب المنزلي يربط صلة وثيقة بالبيت ومن خلال هذا التواصل تستكمل دائرة الاهتمام بالتلميذ من المدرسة إلى البيت والعكس صحيح.ويلح سؤال آخر أرى ضرورة طرحه ..هل يجب على التلميذ أن يؤدي الواجب المنزلي لوحده ؟ والإجابة حبذا لو يقوم التلميذ بأداء واجبه مع أصدقائه لأن ذلك ينمي فيه روح الجماعة ويمده بالقدرة على التواصل مع الآخرين .. كما أنه من الخطورة أن تقوم الأم أو الأب بكتابة الواجب لأبنائهم لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج ليست في صالح التلميذ؛ الأمر الذي يجعله في حالة انتظار دائم لتدخل والديه وهو ما ينسف الفائدة المرجوة من الواجب المنزلي بعدم اعتماد الطفل على نفسه ولكننا ننصح أن يقتصر دور الوالدين على الإشراف والتوجيه وشرح ما استعصى على التلميذ من فهم بعض معاني الكلمات مثلا، فتدخل الوالدين ليحلا محل ابنهم في القيام بالواجب المنزلي يسقطه في مطب السلبية واهتزاز الثقة بنفسه وهذا لا يساعده على تطوير نفسه والاعتماد على جهده الذاتي .. وعلى المعلمات والمعلمين مراعاة أن يكون حجم الواجب المنزلي مناسبا بحيث يراعي ضرورات أخرى للتلميذ بتخصيص وقت للراحة والترفيه من عناء الدروس ورتابة اليوم الدراسي ليتمكن من تجديد نشاطه ليعود التلميذ للمدرسة في اليوم التالي وهو أكثر حماسة ورغبة في التعلم .
■ عبدالله مسعود ارحومة