يستفزني كثيرا الخلط بين عصور الاتصال الإنساني المختلفة، حالة التشويش الفكري هذه تبرز بوضوح عند الحديث مع طلبة الإعلام أو مع كثير من نخب الإعلام، وحقيقة لا أجد مبررا منطقيا يحد من حالة الالتباس الفكري الملازمة للمهتمين بالإعلام وقضاياه وموضوعاته، فيبدو واضحًا أن عصر الاتصال التقليدي غير مشمول بالمطلق بوسائل الصحافة ولا الإذاعة ولا التلفزيون حسب مايتوفر في كل الأدبيات الإعلامية العربية قبل الأجنبية، بل مرتبط ونتاج مايعرف بعصر الاتصال الشخصي والجمعي الذي لاتسانده الآلة الذي بدأ منذ اختراع ارسطو لمفهوم الخطبة والخطيب والمستمع قبل 3500 قبل الميلاد، وانتهى باختراع العبقري يوحنا جونتمبرغ للطباعة الآلية منتصف القرن الخامس عشر، وهو ماشكل أكثر من ثمان وثمانين بالمائة وأكثر من زمن الاتصال الإنساني ككل، وعصر الصحافة والإذاعة والتلفزيون وحتى زمن الارتباط بالأقمار الاصطناعية هو مايسمى بعصر الاتصال الجماهيري، ويقف زمن هذا المفهوم عند اختراع تيم برنارزلي وتيم أورلي للشبكة العنكبوتية بدايات التسعينات من القرن الماضي، والإضافات التي حققاها بوجود الوب1 والوب2 والوب3، وعرفت فيما بعد بعصر الاتصال التفاعلي الذي يشكل تقريبا 0.5 من مائة من إجمالي عصر الاتصال الإنساني، معنى ذلك أننا نعيش اليوم عصر الاتصال التفاعلي بينما عصر الاتصال الجماهيري الذي تأسست أركانه على أعمدة الصحافة والإذاعة والتلفزيون قد انتهى منذ أكثر من ثلاثة عقود على الأقل، ومصطلح الجماهيري أصبح من التاريخ لايمثل تفاعلات عصر التفاعلية الذي وصل اليوم إلى الذكاء الاصطناعي و post truth مابعد الحقيقة وانترنت الاجسام.
■ الدكتور / عادل المزوغيا