وكالة الأنباء الليبية (وال) احتفلت قبل أسبوعين ببلوغ عامها الستين ، كمؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية ، تتولى ، حسبما ورد بالمادة الثانية من القانون رقم 17 لسنة 1964 م توفير خدمات الأنباء بطريقة صحيحة ، و غير متحيزة ، وبين القانون المبادئ العامة لتنظيم جمع الأخبار وتوزيعها محليا وخارجيا وحدد تبعيتها ، ادر تمويلها ، وآليات إدارة وتصريف شئونها. ما لم يأت على ذكره قانون إنشاء وكالة الأنباء الليبية ، ولم يكن ،قدوره ذلك ، هو كيف ستقوم الوكالة الوليدة بأعباء المهنة ، و في ضوء ظروف حداثة نيل البلاد استقلالها ، فقد كان السؤال الأكثر إلحاحا على (الآباء المؤسسين) بتقديري ، لم يكن بشأن إقامة (المعبد) وإنما بطبيعة المنشدين بداخله وما إذا كانوا سيشدون حتى ذلك العدد القليل ، نسبيا ، من القراء في ليبيا ، حينذاك ، على نحو خاص. كان السؤال ببساطة تامة يقول : أوجدنا المؤسسة ، فكيف لنا بالصحافة؟. من غير المستبعد أن المتحمسين منهم كانوا يرون أن رصيد الصحافة في ليبيا ، قد يكون ملهما ، فميراث صاحبة الجلالة يعود بالتاريخ إلى عام 1866 م حين صدرت الطبعة الأولى من جريدة طرابلس الغرب ، عن الوالي ” محمود نديم ” قبيل منتصف العهد العثماني الثاني ، وفي عام 1897 م صدرت جريدة الترقي ، كأول صحيفة بالمعنى المتعارف عليه حاليا وقد صدرت بطرابلس أيضا ، و ترأسها ” محمد البوصيري “. منذ أن تأسست ، و حتى يومنا هذا ، يشكل قسم الاستماع السياسي ، بوكالة الأنباء الليبية ، حجر زاوية في مكونات بنائها العتيد ، وقد يكون ذلك على سبيل المحاكاة لما هو متبع بالوكالات المناظرة ، و لكن (وال) أفردت لهذا القسم مكانة خاصة ، بل قد يكون بمثابة قاعدة ارتكاز كل مناحي العمل الصحفي الذي أوكل إليها ، إذ يشكل ، من جهة ، المصدر الرئيس و الأكثر أهمية ، ربم ا ، للحصول على الخبر الخارجي ، إن جاز التعبير ، لاسيما في وقت مبكر على إبرام ما يكفي من اتفاقيات الاشتراك في خدمات وكالات الأنباء الأخرى ، على غرار (غيلان) الخبر الثلاث المتمثلين في Reuters البريطانية و Afp الفرنسية و Ap الأميركية ، و من جهة أخرى كان قسم الاستماع السياسي بوكالة الأنباء الليبية كناية عن معهد للتدريب المتخصص لإعداد صحافييها ، و لعله كان أعظم المعاهد التي تدرب بها ثلة من خيرة ما أنجبت الصحافة الليبية من أقلام . دور قسم الاستماع ، و ديدنه ، توفير أكبر مساحة من قماشة عمل محرري الوكالة في تزويد الطبقة السياسية بالبلد ، و الحكومة ، بوجه خاص ، و الجمهور، عموما ، بالأخبار، وفي إعادة توزيعها بما يتفق مع طبيعة اهتمامات و مواقف البلد ، و توجهات سياستها التحريرية ، و لكن عملية الرصد و الاستماع ، و التفريغ ، و المراجعة ، و التدقيق ، وفي حالة من التركيز التام ، والمسئولية ، من شأنها أن توفر للمستمع بالقسم أكبر فرصة ممكنة للإمساك بأهم أدوات الكتابة الصحفية ، منذ أبجدية عناصر تحرير الخبر الشاملة للإجابة على (من/ ماذا/ لماذا/ أين/ و كيف) و حتى بلاغة الأسلوب ، و قوة تأثير العبارة و حسن الصياغة ، على قاعدة كل الاعتبارات ذات العلاقة ، وأولها الصدق والموضوعية. قد يكون من المفيد هنا أن آتي على بعض ما ورد بإدراج للصديق العزيز ، والزميل المخضرم “علي الدلالي” نشره مؤخرا على حسابه (الفيسبوكي) بمناسبة بلوغه 48 عاما من عمره المديد ، إن شاء الله ، ببلاط صاحبة الجلالة ، فقد ذكر أنه بناء على نصيحة رئيس تحرير وكالة الأنباء الليبية ، أوائل الثمانينات من القرن الماضي ، الأستاذ ، إبراهيم الطوير ، رحمه الله ، تحول من قسم الترجمة ، للكتابة الصحفية ، و توطئة لذلك تم نقله لقسم الاستماع السياسي ، فقضى به خمسة عشر شهرا كاملة. هذه التجربة أهلت السيد / علي الدلالي ، للعمل صحفيا مرموقا بوكالة الأنباء ، يكتب باللغتين العربية و الفرنسية وأسهمت ، من دون شك ، في توليه رئاسة المجمع الإقليمي لشمال القارة ، بوكالة أنباء عموم إفريقيا ، ثم الترقي بسلك وظائفها حتى صار يشغل منصب مساعد مديرها العام. أما الشاهد الأقوى ، بتقديري ، على القيمة العالية لمدرسة وكالة الأنباء الليبية ، و علو كعبها عن غيرها من مؤسسات الإعلام الليبية ، في مجال التكوين الصحفي ، و منح استحقاق شرف الانتساب لبلاط صاحبة الجلالة ، والتميز في خدمته ، فهو فوز كل من السيدين ، بشير زعبية ، ومحمود البوسيفي ، مع حفظ ألقابهما السامقة ، بجائزة الدولة التقديرية للصحافة ، للسنتين 22 و 2023 على التوالي. بالنسبة لي ، وإن لم أقض كثيرا من الوقت بقاعات و أروقة وكالة الأنباء ، برغم توظيفي بها أساسا ، وذلك لإلحاقي بقسم أخبار الإذاعة ، الذي كان في شبه تبعية مباشرة للوكالة ، فقد كانت صلاتي وثيقة تماما بكافة العاملين بها ، وأذكر أن الراحل الكبير ، الأستاذ / إبراهيم الطوير ، رحمه الله ، قد دعاني عقب عودتي من رحلة عمل للمملكة المغربية ، قمت خلالها بتغطية تلفزيونية لمناسبة عيد العرش مارس 1985 م، وفي مؤتمر صحفي ، بالمناسبة ، وجهت للعاهل المغربي الملك الحسن الثاني ، رحمه الله ، رأى فيه البعض شبهة استفزاز، قد لا تتناسب و ظرف معاهدة الاتحاد الإفريقي الموقعة حديثا ، بين البلدين ، فلما أردت مقاطعة رئيس تحرير وكالة أنباء (الجماهيرية) آنذاك ، لتوضيح أن الملك تقبل سؤالي ، و قام بالرد عليه ، فاجئني الأستاذ ، إبراهيم ، طيب الله ثراه بالقول : أسكت يا ولد.. باش تعرف تكتب كويس لازم تعرف تسمع كويس.
■ بشير بلاعو