ثقافة الطفل .. ترف أم ضرورة ؟
من المعروف أن الثقافة بالنسبة للطفل ضرورة ملحة يجب الاهتمام بها سواء في البيت أو داخل نطاق المدرسة وإذا كان الكثير منا يعتبر ثقافة الطفل ترفا يؤثر على الحيز الزمني المخصص للدراسة فإن هذه النظرة القاصرة ساهمت إلى حد كبير في إهمال برامج تثقيف الطفل والحرص على توفير الظروف المناسبة له وحرمانه من الحصول على فرصة توسيع مداركه وزيادة قدرته على الانتباه وتحفيزه على اكتساب مهارة الاستماع وتقوية قاموسه اللغوي وتوسيع مداركه وإعداده لفهم حقائق الحياة.. مساعدة الطفل على حب القراءة وعلى الرغم من صعوبتها إلا أن لها نتائج إيجابية على شخصية الطفل لتجعله راغبا في المعرفة ومقبلا على قراءة الكتب التي تناسب سنه ومستواه الدراسي وتأتي أولى خطوات توجيه الطفل للقراءة إحاطته بالكتب ليختار منها ما يثير فضوله للاستزادة من المعرفة . أعتقد أن الدور المهم يقع على عاتق الوالدين الذين يجب عليهم مشاركة طفلهم قراءة الكتاب ليتم بعد ذلك طرح الأسئلة عليه لمعرفة مدى استيعابه لما قرأه .. وتشجيعه نحوى المزيد من القراءة .. فالطفل إذا لم تتوفر له ظروف القراءة في البيت ؛ ينعكس ذلك سلبا على شخصيته إذ سيظل فقيرا في مفردات اللغة وبالتالي سيكون غير قادر عن التعبير على أفكاره بلغة سليمة ومعلومات وفيرة وصحيحة . إن توسيع مدارك الطفل لا تتأتى إلا بتشجيعه وتحريضه على قراءة كتب أخرى في شتى فروع المعرفة يخصص لها وقتا معينا مناسبا لمزاج الطفل وهذه لفترة يجب أن لا تزيد عن عشرين دقيقة مبدئيا، ومن خلال تفاعل الأسرة مع طفلها يوميا فإنه يمكن لها معرفة أي نوع من المعارف يميل إليه الطفل وإذا تم ذلك على الأسرة الالتزام بتوفير الكتب المناسبة لعمر الطفل وميوله ومستوى مداركه العقلية إذ أن النجاح في هذه الخطوات سيجعل من الطفل واسع المدارك وله أرضية معرفية يمكن له البناء عليها في مستقبل حياته طالما ان بذرة القراءة قد تم زرعها في وجدانه وتجذرت بعقله منذ الصغر واستمرار الأسرة في تغذية رغبته في القراءة والاطلاع. الحرص على تثقيف الطفل يؤدي إلى نمو الطفل نموا سليما مما سيؤثر على سلوكه ومزاجه ويجعل منه شخصية تميل إلى الاستقلال واحترام الذات وتقوية روابطه الاجتماعية عبر قدرته على التواصل مع الآخرين. علينا أن نعي بأن ثقافة الطفل تتكون من أفكاره وجملة المعارف التي يتحصل عليها من خلال القراءة التي ترتقي بسلوكه وتضبط تصرفاته ولا أقول إن الكتاب فقط المصدر الوحيد لثقافة الطفل بل هناك عناصر أخرى وجهات مختلفة تساهم في تشكيل ثقافته منها البيئة والأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وعلينا عندما نخطط لثقافة أطفالنا أن نحدد ملامح عملية التثقيف ليكون المردود إيجابيا وما بذلناه في سبيلها كان مثمرا، فالطفل الذي تتاح له فرصة التثقيف سيكون عنصرا فاعلا في مجتمعه ملما بمتطلبات تطوير الذات .. ولا يمكن النجاح في تثقيف الطفل ما لم نكن ملمين إلماما واسعا بأسس ثقافة الطفل وما يناسبه من أنواع المعارف والتي تتناسب مع مراحل نموه العقلي والوجداني ونعمل علي تلبيتها وتوفيرها له وفق زمن محدد للقراءة وبما يجعله تواقا وراغبا في الاطلاع . وأخيرا أتساءل .. هل تهتم الأسرة الليبية بثقافة طفلها ؟ وهل يوجد بالمدرسة جدول يومي تشكل حصة المكتبة ركنا أساسيا فيه ؟ وللإجابة على ذلك أقول من خلال متابعة هذا الموضوع ربما كانت هناك محاولات للاهتمام بثقافة الطفل ولكنها محدودة ولا نراها إلا خلال مناسبات معينة فقط يظهر فيها الاهتمام بثقافة الطفل كاحتفالية عابرة سرعان ما يطويها النسيان فالاستمرار في تأكيد ثقافة الطفل لا يتأتى إلا عبر دراسة معمقة لأسس ووسائل ثقافته عبر برامج وخطط طويلة الأمد تهدف إلى إشاعة الاهتمام بثقافة الطفل عبر المدارس والبيت ونوادي الأطفال والحرص على أن تكون المكتبة إحدى مكونات المبنى المدرسي وتشجيع الكتاب والأدباء في التوسع بتأليف الكتب المناسبة لميول الأطفال ورغباتهم . لا أعتقد إن اغلب الأسر الليبية مهتمة بثقافة اطفالها نتيجة لأن حتى الكبار فيها لا يوجد لديهم ميل للقراءة والثقافة بوجه عام ومن يفتقد الشيء لا يمكن له غرسه لدى شخص آخر .. لقد زرت العديد من البيوت فوجدت أغلبها يفتقد إلى الكتاب وإذا وجدت في بعضها فإنها لا تعدو أن تكون مصفوفة داخل مكتبة تحتل جزءا من صالة البيت أو المضافة ) المربوعة( مرتبة بشكل أنيق وهو ما يوحي إليك بأنها وضعت لتكون جزءا من ديكور البيت ومظهره الجمالي فقط.. أكثر من وجودها للاطلاع أو القراءة .. فمتى نعي أن ثقافة الطفل ضرورة وليست ترفا !
■ عبدالله مسعود ارحومة