تمر علينا في هذه الأيام الذكرى السنويةالأولى لكارثة درنة ذكرى أليمة محزنة؛ لم يشهد لها الوطن مثيا من قبل راح ضحيتها الآلاف من الشهداء والمفقودين من سكان هذه المدينة التي طمس الطوفان معالمها الجميلة .. إلا أنه بالرغم من هول الكارثة والمصاب الجلل وفداحة الخسائر هناك جانب مشرق وسط ذلك الظام الدامس وهو ما شاهده العالم وتفاجأ به وهي فزعة أبناء الشعب الليبي من كل حدب وصوب لنجدة إخوانهم في درنة المنكوبة ؛ فالصورة بقدر ما كانت مأساوية إلا انها أعادت الأمل في إمكانية لم شمل هذا الوطن الذي مزقته الحروب ونهشت جسده الفن والمؤامرات فقد أثلجت صدورنا مشاهد تلك القوافل التي انهالت على المدينة المنكوبة، وتفاجأ العالم بما حدث في تلك الأيام من تعاضد وتكافل بن كل أبناء الشعب الليبي فكانوا كالبنيان المرصوص في مواجهة الكارثة واتضحت الصورة الحقيقية للحمة الاجتماعية من باب (رب ضارة نافعة .. وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) وشهد العالم قاطبة كيف تسابق الليبيون بشكل لا إرادي في مد يد العون والمساعدة لإخوانهم في درنة وما جاورها وانمحت تلك الصورة السوداء التي اتخذها العالم على ليبيا والليبين طوال 13 عاما من الاحتراب والتدمير والقتل .. واليوم وبعد عام من تلك الكارثة عادت تلك الصورة السوداء تخيم على هذا الوطن من جديد وكأن (فزعة خوت) التي أبهرت العالم كانت سحابة صيف أو حلم في سبات عميق ورجعت أبواق الفتنة تنفث سمومها في جسم هذا الوطن المنهك وقد نجح الغرابيب السود في تمزيق ما نسجته اللحمة الوطنية التي تسببت بها كارثة درنة ودفنت تلك المشاعر الجياشة تحت ركام درنة وصارت تلك الصور الجميلة من الماضي ! وقد كنت متفائا جدا حينها بعودة الوطن لينهض من جديد وكنت قد كتبت مقالا يومها بعنوان (درنة .. مدينة تلد وطنا) لكن المعطيات اليوم تشير إلى ما لا يحمد عقباه فمعاول الهدم أكثر وأقوى من معاول البناء رغم أن درنة تم إعادة إعمارها ولم تندمل جراحها بعد كباقي جراح الوطن ولم ننجح حتى اللحظة في أن نعيد لنا الوطن الذي فقدنا و فقدناه .. رحم الله شهداء درنة وألهم أهلهم .
■ عبدالله سعد راشد