مقالات

ثقافتك القانونية

مبدأ الظلم

الظلم (un just) لغة : مجاوزة الحد , ووضع الشيء في غير موضعه . أما الظلم شرعا , فيعني : نقيض العدل . إنه : وضع الشيء في غير موضعه . يتضح بذلك التقاء المعنى اللغوي والشرعي للظلم . وللظلم أشكالا شتى : ظلم بالفعل , وظلم بالقول , وظلم بالشعور .تناولت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية (المصدر القانوني) الظلم وذكرته بلفظه واشتقاقاته , وأشارت إلى معناه ولوازمه , وفصلت مفهومه وشرحت مضمونه , وذكرت الآثار المترتبة على الإتيان به . ودليل ما قيل : أن لفظ الظلم قد ورد صريحا في ثاث وتسعين آية , ومائتي صيغة , ضمن ثمان وخمس سورة قرآنية , وأكثر ورود نصيغه كان جماعيا , ودلالة ذلك أن خطر الظلم يكمن في شيوعه وقبوله اجتماعيا . قال علي بن أبي طالب : ” إ نما اهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى أشتري , وبسطوا الجور حتى أفتدي .” يشمل مفهوم الظلم الواسع : كل أنواع الأذى التي تصدر عن الإنسان , وله مفهوم منعكس , أي أن الظلم يعود على ذات الإنسان نفسه . ومما يدخل في مفهوم الظلم ومجاله ويحدد منها , ويرفع وجود اللبس عنه أيضا (العدل) , فا نتجاوز القول : بوضع فلسفة الظلم مقابل فلسفة العدل , ففي الأولى يبرز فيها مهام الظلم وفي الثانية يتقرر مبدأ إقامة العدل , فالواقع واحد والمنظور مختلف والصراع بينهما , والقاضي فيهما هو الحكم . لا يريد الله ظلما للعباد وما هو بظام للعبيد , ولا يظلم مثقال ذرة , ولا يظلمون نقيرا , إن الله لا يظلم الناس شيئا , وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم , فا تظلم نفس شيئا , وما كنا ظالم ن, ولا ظلم اليوم , ولكن الله يوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون . لا يتحقق الحكم على الظالم إلا بعد العلم بالظلم والظالم , عليه الله تعالى بأنه : عليم بالظالمين , واعلم بهم , كما أن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون . أورد الله تعالى أمثلة لمن ظلم , ومنها : من كتم شهادة عنده , من أتبع أهواء الناس , من يتعد حدود الله , الكافر , من لم يحكم بما انزل الله , من افترى على الله كذبا , من يجحد بآيات الله , من البس إيمانه بظلم , من كذّب بآيات الله , من جاء بالظلم والزور , إتباع الهوى , الإعراض عن آيات الله , كذب على الله وكذّب بالصدق , الذين يظلمون الناس ويسعون في الأرض بغير الحق , الشرك , والذي وصف بأنه : الظلم العظيم . ينتصر الباطل بالظلم على الحق , وبه تضيع الحقوق , وتؤذي الأنفس وتقتل , ويقهر الإنسان وتنتهك حرماته , لذا , كان من التعليمات الإلهية وأوامرها الأمر بالعدل والنهي عن البغي , قال سبحانه : ﴿ إِنَّ ال يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَاْحِْسَانِ للوإَِيتَاءِ ذِي القُْربَْى ويَنَْهَى عَن الفَْحْشَاءِ واَنُْْكرَ واَلبَْغيْ ليَعِظكُُمْ لَعَلكَُّمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ سورة النحل , آية 89 .بينت الآيات القرآنية أيضا عاقبة الظالم – بعد نالإشارة إلى أن الله لعنهم ولا ينالوا عهده ولا يهديهم ولا يحبهم ولا أنصار لهم ولا أولياء ولا حميم ولا شفيع يطاع – أنهم في النار خالدين فيها ولهم عذاب أليم , قال عز من قائل : ﴿ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّاِِ ﴾ نفلسورة الحشر, آية 17 , ﴿ إِنَّ الظاَّيِِنَ لهَُمْ عَذَابٌ لأَلِيمٌ ﴾ سورة إبراهيم , آية 22 . إذا كان الظلم في المعاملة شنيعا , فإنه في مقام العدالة والتقاضي أكثر فداحة وإثما , وينطبق ذلك على القضاة والمستشارين الذين يحكمون ظلما , بقصد أو بدونه . إن مقصد نجاة القاضي الهدي إلى الحق , وأخذه أينما وجد , أما عدم النزوع إليه أو عنه والروغ تجاه الباطل أو القعود عن نصرة الحق : جاهلية جهاء وضالة عمياء , وخيانة للعدالة لالمرتجاة . إن عدم الالتزام بالحق والجنوح عنه يعتبر ظلما وأيا ظلم . ألم تر معي بأن العدل من أعظم مقاصد الدين , والقاضي يقيمه كما تب , فإن نهدم القاضي العدل , فإنه قد هدم مقاصد الدين ويعد ظالما لنفسه , مرتكبا للحرام بعدم عدله . جاء في الحديث القدسي : ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فا تظالموا ..”. فهل تحرى القاضي التحري المطلق للعدل , واستشعر الرهبة البالغة من الظلم ؟ . قال النبي : ” سيكون بعدي أمراء (قضاة) يظلمون ويكذبون فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه , ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يمالئهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه ..” . كما خاطب الرسول الكريم الناس عن الظلم قائا : ” أيها الناس إياكم والظلم , فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ” . فإذا كان الخطاب للناس عامة , فالأولى أن يكون الخطاب موجه للقاضي والمستشار المؤسس لدعائم العدل ن, والمقاوم لركائز الظلم والعدوان على الأنفس نوالعرض والمال وكل الحقوق . إن من اظلم الظلم ألا يلتزم القاضي بالأمانة الملقاة على عاتقه , وعدم مراعاته لضميره , وإلا يصبح الشك يقينا لا مرية فيه عنده .مما سبق يتضح جليّا :• من القضاة المقسطون الذين تحروا رشدا , ومنهم القاسطون فكانوا لجهنم حطبا , وهذا ما يجعل القاضي (رسول العدالة) في حاجة إلى إنارة الطريق بالتماسه الحق وإظهاره , وإقامته للعدل برفع الظلم الواقع . • تقوم ولاية القاضي على أساس الميزان الذي له قواعده , ومبادئ تحكمه وتنظمه , فمبدأي العدل والعدالة أمران متازمان للزومية العدل لفطرة الإنسان , وإنكاره يعني اتباع الظلم وابتغاء العوج , ولا مشروعية لقضاء لا يكون فيه العدل . • إذا كان القاضي غير الكفء – كما قال (هيور- قاضي قضاة الولايات المتحدة) : هو شر بلية يمكن أن يصاب بها المجتمع , والمصير الأسود الذي ينتظر الخصم على يديه لنقص كفايته في الخلق أو العلم أو فيهما معا …” , فكيف حال المجتمع والخصوم إذ ابتلوا بالقاضي الظالم ؟ وكيف حال القاضي الظالم نفسه ؟ . • لا يحتاج عدل القاضي لمزيد من التحقيق والتدقيق , بل الحاجة ماسة لمعرفة ظلمه عند غياب عاطفة العدل لديه , فظلمه حقيقة يعرفها بذاته قبل ذات غيره , وإن كانت هذه الحقيقة نسبية . فللقاضي نفس بشرية لها أهواءها ونزعاتها المتباينة , منها : ما يتجه إلى جانب الصواب وجانب الحق وجانب العدل , ومنها : صوبه الهوى , الخطأ , الباطل , الامبالاة , لالتقصير , مظنة التهاون .• القضاء سياج الحقوق ومرسى قواعد العدالة , وباسط أسباب الاطمئنان والأمن والسام , إذا كان يحكم بالحق , وشعاره الحق , ولا يتم الحكم بالحق إلا بالحكم بما أنزل الله , ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون , الظالمون , الفاسقون , قال تعالى : ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ َِا أَنْزَلَ ال فَأُولَئِكَ هُمُ لبالْكاَفِرُونَ ﴾ سورة المائدة , أية 44 . ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ َِا أَنْزَلَ ال فَأوُلَئِكَ هُمُ الظاَُِّونَ ﴾ سورة لبلالمائدة , آية 45 . ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ َِا أَنْزَلَ ال لب فَأوُلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ سورة المائدة , آية 47 . – يعد اللجوء إلى القاضي الطبيعي من حقوق الانسان , وهو حق أصيل , أصبح من المبادئ الأصولية العليا , بل يعد المبدأ الأول الذي يهيمن على كل نظام قضائي أيا كانت فلسفة هذا النظام , ويسبق هذا الحق حق التقاضي , فلكل فرد الحق في رفع مظلمته إلى القضاء دفعا لأي اعتداء يقع عليه , وقد أرست المحكمة العليا هذا المبدأ في قرارها الصادر بتاريخ 23 ديسمبر 1959م بقولها : ” … أن حق اللجوء إلى القضاء حق عام مقرر لكل إنسان للدفاع عن حقوقه ومصالحه .. وهذه القاعدة مستمدة من أوامر العلي القدير ومن الحقوق الطبيعية للإنسان منذ أن خلق …” . وقد ذهبت المحكمة العليا إلى أبعد من ذلك حيث ذكرت : ” .. إغاق باب التقاضي مخالف لكل دساتير العالم في نصوصها المكتوبة أو غير المكتوبة .

■ الدكتور : مسعود عيسى العزابي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى