مقالات

للأهمية ..

إنك لن تعيد اختراع العجلة !

رغما عن كل تمظهرات ما حققته البشرية من تطور حضاري في شقه المادي على نحو خاص، وتنوع وتعدد مفردات ما يشير للتقدم الهائل الذي تم جنيه على مدى أقل من خمسة قرون من عمر الكون والإنسان المقدر بمليارات السنين إلا أن الربط في ذلك يتم عادة بلحظة اختراع العجلة حتى إنه يؤرخ بتلك اللحظة لما أصطلح عليه بالثورة الصناعية ، بل و صار شائعا القول لأحدهم (إنك لن تعيد اختراع العجلة) كصيغة بليغة ، وقاطعة ، بأنك لن تأتي بجديد. ولكن التسليم بكون (العجلة) هي ما يعزى إليها دوران حركة التصنيع ، التي شكلت الحد الفاصل بين حقبتين مختلفتين ، كليا ، في التاريخ الإنساني كله ، لا يعني ، بالضرورة ، أنها تقف على رأس سلم ترتيب الأهمية في قائمة المكتشفات والاختراعات ، حتى إن استبيانا واسعا أجرى يوما بالولايات المتحدة الأمريكية بالخصوص تبين أن “فرشاة الأسنان” تحظى بأهمية أعلى من كل ما عداها مما اخترعه البشر من وسائل ومعدات، في باب الاستخدامات الحياتية اليومية، وسواء تعلق الأمر بالعجلة أم سواها مما وضع قاطرة الحضارة على سكة الاندفاع نحو أفق بات يصعب تصوره ، فمن الواضح أننا لسنا في زمرة من يعنيهم الأمر ، والواقع أنه لن يضيرنا ، نحن، وكل العالم الثالث ، الذي نتشارك ، وبضع بلدان مماثلة تذيله ، أن نقوم ، أو أن نساهم ، أو حتى أن نكون معنيين بمسألة ترتيب أولوية ، أو أهمية هذا الاختراع عن ذاك ، والأهم من خلو السِفر الكوني من أي إسهام لنا في مجال المخترعات والاكتشافات ، المفصلية منها، وربما حتى الثانوية ، فإن العلامة الفارقة على علاقتنا بتلك الاختراعات والمنجزات الحضارية ، قد تنحصر في سوء الاستخدام ولو أنك اتخذت لرحلتك الطريق المحاذي للبحر ، بين (المطرد و الزاوية)، فستقف عيانا ، و عند كل شبر من المسافة بينهما على حجم سوء استخدامنا للعجلة بالذات . فما الذي يمكن أن يكون قد تفتق عن الذهن الابتكاري لدينا منذ أن أغلق باب الاجتهاد بحلول القرن الرابع الهجري ، حين قيل أن كل شيء قد قيل ، و أن لا مجال للإضافة ، وأن كل ما سيأتي يمكن أن تجد له ، عند السلف ، حكما وعلما، فأرح رأسك ، كما قالها الراحل ” الصادق النيهوم” مطالع ستينات القرن الماضي . وربما يحسب للذين “ريحوا روسهم” فضل اكتشاف ما يمكن أن يكون ، بالنسبة لنا ، أعلى قيمة ، و أكثر أهمية من اختراع العجلة و هي (الشماعة) التي تماثل تماما ، تقريبا ، في فلسفة استخدامها شماعة تعليق الملابس فبمثل ما يفعله المرء ليريح جسده من ثقل ملابسه ، فيعلقها خلف أبواب خزانته ، أو بجوار سريره ، و حتى في أماكن أخرى ، فإنه يفعل الشيء ذاته ، ليريح رأسه ، من كل ما يمكن أن يثقله ، و لا أشد وطأة على رأس الإنسان من تلك المسئوليات التي تليق ، و تنبغي على خليفة الله في الأرض . المثير في المسألة هي الطواعية المذهلة لذلك الاكتشاف (الشماعة) تنوعا ، وتعددا ، وتلونا ، وانكماشا ، وتضخما و من حيث التسامي و الدنو و الجدّة و الهزل والتماشي مع طبيعة المكان ، و ظروف الزمان بما يتفق و ما يوضع عليها من أحمال قد تبدأ مما يوازي أصغر الشرر ، حتى ما قد يجاوز أعتى صفعات القدر ، و إن كان قاسمها المشترك ، جميعا هو الخيبة و الفشل . في مثل هذا اليوم السادس من أغسطس قبل تسعة و سبعين عاما كان اليابانيون ، كما هم اليوم يفترشون أرخبيلا من جزر صخرية تلطمها أمواج المحيط طوال العام ، و تتوسد مركز زلازل الكرة الأرضية ، لقد أحصوا يومها (140,000) مائة و أربعين ألف ضحية من الجنسين ، و من كل الأعمار ، جراء قنبلة واحدة ، هي “الولد الصغير” التي ألقتها أميركا على “هيروشيما” ، و تكفل “الرجل البدين” وفق ما أطلق على القنبلة الذرية الثانية بعدها بثلاثة أيام بإضافة (80.000) ثمانين ألف قتيل بمدينة ” نجازاكي ” ، فلم يتوقف اليابانيون عند أي ” الشماعات ” أنسب لحمل ثقل المأساة عن أكتافهم المثقلة أصلا بمآسي جدب الجزر و ندرة الموارد ، بل إنهم لم يتوقفوا حتى صاروا يأخذون بخناق أميركا على تبوأ المرتبة الأولى لأقوى إقتصادات العالم ، لقد جرى هذا تحت سمع و أبصار كل العالم الثالث الذي يفعل مثل ما نفعله نحن ، حين نجد ” الشماعة ” الأنسب لكل ما حدث ، ثم نذهب من فورنا لرابش (الحرشة) باحثين عن ” فلفلي ” لسيارة Made in Japan .

■ بشير بلاعو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى