إن شمعة القاضي العادل إذا أطفئت ، فلن يستطيع أحدا إعادة الضوء لها ” ” ولا قانون ولا قضاء بدون قاضي ، فمنه يلمع ضوء العدالة ، وبحكمه يطهر كل ما هو دنس ” وظيفة القضاء : عظيمة الخطر ، كبيرة الأثر ، يمارسها القاضي الذي هو الأمن على الأنفس والحريات ، الحارس للعرض والشرف والمال . إنه : ظل الله في الأرض ، ورمز تطبيق العدالة ، وله وحده من أوكل إليه أمر تطبيق القانون . لا خف بأن القضاء أمر مقدس عند كل ا الأمم ، وفي الشرائع السماوية والقوانن الوضعية منذ نشأتها إلى الآن . وتبعا لذلك ، فإن هذه الوظيفة تعد من أسمى المناصب ، ومهنة لأرقى المراتب ، ورسالة لا مناص منها ولا ابتعاد عنها . فالقضاء من ركائز الدولة ، ولا بد منه في كل زمان ومكان. أولت الشريعة الإسمية القضاء قدرا كبيرا ا من العناية والتنظيم ، ووضع فقهاؤها وعلماؤها له من القواعد والأصول وردت في أبواب الفقه وصّنفت بآداب القضاء وصفات القاضي لأهميته القصوى . لقد أولى الباحثون والدارسون في علوم القانون اهتمامهم أيضا بذلك ، ويبقى الاهتمام والبحث والتفقه فيه والحديث عليه وفي كل ما يتعلق به ميدان لا ينتهي بحد معن . قد تكون مداعبة ميزان العدل ليس بالأمر الهن ، والبحث في أناقة لابسيه يسهر جراها ويختصم ، كما أن الدخول إلى محراب العدالة للتفتيش والتقميش يحتاج إلى دقة وعدم تسرع ، آخذا بعن الاعتبار بأن القضاء لا ترمى عليه السهام ، وأتباعه لا يبتغون الظلم ولا العوج ، ولا تتسم الولاية القضائية بالتقصير أو مظنة التهاون ، إلا أن القانون نفسه قد أوجد وسائله وآلياته للتقييم والتقويم في هذا المجال حيث نظمت النصوص القانونية وقواعده : جهات القضاء ، قواعد ترتيب وتشكيل المحاكم ، فض ا عن القواعد المتعلقة برجال القضاء أنفسهم . يبقى التساؤل قائما : هل يتوقع من القاضي أقصى فرائض العدالة ؟ ومن لم يعدل كل العدل • العدل الكامل – هل يعد قد أخل بواجباته وجافى طبيعته وفرط في تبعاته ؟ وهل تحرى القاضي التحري المطلق للوصول إلى العدل والرهبة البالغة من عاقبة الظلم ؟ . مما لا شك فيه ، أن الإجابة عن هاته التساؤلات هي المحددة لموضوع البحث ، ودون الغوص في الأعماق نستطيع وضع إشكالية البحث في تساؤل محدد : ما جدلية عمل القاضي (ظاهرا و باطنا) ؟ تكمن أهمية البحث في بيان أن القاضي قد التمس طريقا منتهاها إلى الجنة أو إلى النار ليس عن أحدهما مصرفا ، ولا بينهما موقفا ، حاكم في ظاهره ، محكوم عليه في باطنه . يستدعي تفصيل ذلك إتباع المنهج المقارن (شريعة وقانونا) ، والمنهج التحليلي كلما أمكن ، كما أن الضرورة قد تقتضي عند السير في البحث عدم إغفال المنهج الوصفي . يركن الباحث عند البحث إلى جوانب عدة منها : الكفاءة العلمية ، الملكة القانونية ، الخبرة الميدانية ، النفس الطويل والصبر الجميل ، لما للبحث من مخاض عسير ، وحاجته إلى جهد كبير . فما جدلية القاضي ؟ ، وهل للقاضي جدلية في الأساس ؟ . لست أجهل أن هذا الغرض قد سبق له غيري ، وصنف في معناه أناس قبلي ، ولأنني رأيت أن أعيد منه الآن ، لتغير الأحوال وتباين الأزمان ، أعيده للتذكرة لنفسي ولمن حولي ومن سيأتي بعدي .
■ الدكتور : مسعود عيسى العزابي