مقالات

أبيض x أبيض

الصور الذهنية والصور النمطية في ميزان الشريعة الإسلامية (2)

كما أن القرآن الكريم يستخدم صورًا ذهنية مميزة لتحقيق أهداف متعددة منها : (التعليم، التذكير، التحذير، و التبشير)، من خلال التشبيه الذي يعتبر أهم الوسائل البلاغية المستخدمة في القرآن الكريم لتوضيح المعاني وتقريبها إلى ذهن القارئ، على سبيل المثال : تشبيه الجنة : «مَثَلُ انََّْةِ الَّتِي وُعِدَ اتَُّْقُونَ، للفِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاٍء غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهَارٌ مِنْ لَبٍَن لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ» سورة محمد، آية 15 . ويستخدم القرآن تشبيهات ملموسة للجنة لتصورها بطرق تجعلها مألوفة ومحبوبة في نفس القارئ. كذلك الاستعارة التي تُستخدم في القرآن الكريم لتحويل المعاني المجردة إلى صور محسوسة، على سبيل المثال: -استعارة النور والظلمة: «اللَُّ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ ارَْْضِ» سورة النور، آية 35 (وظلمات بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) سورة النور، آية 40، تعبر هذه الاستعارات عن الهداية و الضلال بطرق تجعل المفاهيم المعقدة سهلة الفهم . كذلك التجسيد الذي يعني إضفاء صفات بشرية على أشياء غير حية لتقريب المعنى إلى ذهن القارئ، على سبيل المثال : تجسيد الليل والنهار : «وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ، نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ» سورة يس، آية 37، هنا يُصوَّر الليل وكأنه كائن يتم سلخ النهار منه، إضافة إلى التكرار الذي يُستخدم في القرآن الكريم لتأكيد المعاني وتثبيتها في الذهن، على سبيل المثال:- تكرار كلمة «يوم» في سورة القيامة : «يَوْمَ يُكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ ابَْْثُوثِ» سورة القارعة، آية 4 و«يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ ابَْْثُوثِ» سورة المعارج، آية 43، كما استخدم الوصف الدقيق للأحداث و الأشياء لتكوين صور ذهنية واضحة. نلاحظ بلاغة القرآن الكريم و براعة كلماته في حال دراستنا لحالتي الصور الذهنية والنمطية وتتبع خلفياتهما و مايترتب عن هذه التصورات والأفكار، نوقن حتما بأنها هذبت في كتاب اهل الكريم لتجنب الظن وإصدار الاحكام غيبية حول أشياء نسمع عنها و نتناقلها دون وعي لما يترتب عنها في حال غابت عنا هذه التعاليم القيمة التي تهذب المجتمعات البشرية في أدق تفاصيل حياتها. فالصورة الذهنية والنمطية يمكن أن تكون لها العديد من المخاطر على الأفراد والمجتمعات، مثل التنميط الذي يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الأفكار المسبقة و التمييز بين الأفراد بناءً على سمات سطحية مثل العرق أو الجنس أو الدين، يساهم في الظلم الاجتماعي و يحد من فرص الأفراد، وقد يعزز التمييز و اتخاذ قرارات غير عادلة أو منحازة في الحياة اليومية، ويؤدي إلى الاقصاء الاجتماعي والضغط النفسي مما يزيد من التهميش .

■ الدكتور : عابدين الشريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى