مقالات

حديث في الثقافة

الثقافة أساس جوهري في بناء المجتمعات عبر تنمية قدرات أفرادها المعرفية مما يؤهلهم ليكونوا أعضاء فاعلين ومدركين لدورهم في بناء أوطانهم فالثقافة تتيح للمجتمع أعضاء قادرين على فهم واقع مجتمعاتهم وفرز عاداته وتقاليده والتدقيق في موروثه الثقافي لنبذ الظواهر السلبية فيه وتطوير الإيجابي منه بما يتمشى مع عادات وثقافة المجتمع . الثقافة هي الجانب المعنوي لأي حضارة إنسانية فكل الأمم والشعوب أنتجت حضارتها الخاصة بها المعبرة عن ذاتيتها وشخصيتها المستقلة وإذا ما وجدت حضارة أهملت الجانب الثقافي فيها فإنها لن تكون إلا حضارة بلا عمق تاريخي وبلا روح أيضا ..وتفتقد إلى الجانب المعرفي الذي يعطي للحضارة المادية مضمونها الإنساني ويؤطرها بمنظومة من القيم والاخلاق . إن أي مجتمع ينشد التطور وقطع أشواطا طويلة على طريق التقدم عليه أن يحرص على ثقافته من الاستيلاب والتغريب والاحتواء من ثقافة أخرى دخيلة ومعادية نتيجة لثقافة و سلوك الأفراد فلا أحد يمارس سلوكا عكس ثقافته ومن هنا يتبين لنا أن الثقافة ليست ترفا ولكنها ضرورة لإحداث التغيير المطلوب في المجتمع ..فالثقافة تنمي العقل وتوسع المدارك وتفتح آفاقا واسعة للوعي بحقائق الحياة .. الثقافة تعني المعرفة التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الاطلاع والقراءة المستمرة لأحداث تراكم معرفي لدى الفرد الأمر الذي يمكنه من أن يكون مثقفا قادرا من خلال وعيه الشامل على المشاركة في بناء وطنه وتعزيز إمكانياته لتكون له مكانة مرموقة في مسيرة الحضارة الإنسانية. يتميز كل مجتمع عن المجتمعات الأخرى بثقافته فهي التي تعمل على خلق الترابط المطلوب وتوحيد الرؤى وهي من تعطي لأي شعب هويته الحضارية وتنمي بين أفراده سجية الانتماء للوطن والتفاعل مع أحداثه والشعور بالعزة والكرامة والفخر بالانتماء إليه والاعتزاز بتاريخه ونضاله واستشراف مستقبله بأمل وتفاؤل.. اي مجتمع يفقد وحدته الفكرية فإنه سيكون ضحية لفقدان رابطته وغياب الانسجام وضياع الهدف وهو ما يمكن ثقافات دخيلة من التغلغل في بنية المجتمع الأمر الذي يشكل مظهرا آخر من مظاهر الاستعمار نطلق عليه الغزو الثقافي الذي يعتبر أخطر أنواع الاستعمار الحديث لأنه يستهدف قيم المجتمع ومسخ هويتة الحضارية من خلال ضرب منظومة الأخلاق ونزعة التحرر لدى أفراده وأحداث حالة من التبعية التي ينتج عنها البعد عن الأصالة وتدمير مقومات شخصية الشعب المستهدف بالغزو الثقافي. التآلف بين أبناء المجتمع ووحدة الهدف والمصير لن تتحقق إلا عبر ثقافة تستمد مضمونها من واقع حياة المجتمع والوعي بالمخاطر المحدقة به لأنها تشيع مشاعر المحبة وتنبذ العداء بين أفراده مما يفتح المجال أمام تجسيد شعار الوحدة الوطنية على أرض الواقع . وفي هذا السياق يفرض سؤال نفسه وبقوة هل لدينا خطة لتطوير إمكانيات الثقافة ووسائلها ويأتي الجواب من خلال الواقع الثقافي المصاب بالتصحر في كل أنواعه وسياقاته خاصة إننا نمر الآن بفترة حرجة وخطيرة من تاريخ الوطن ..فالمطلوب الآن نشر ثقافة التسامح وإصلاح ذات البين إذا تشبع المواطن بهذه الثقافة فإن سلوكه لن يصب إلا في هذا الاتجاه الإيجابي وتصبح المصالحة الوطنية ناتجا منطقيا لوعي الناس وإلمامهم بحقيقة ما يسود حياتهم من فرقة وتباعد وهو ما يؤثر ليس على الجيل الحالي فقط ولكن التأثير سيطال أجيال قادمة لا دور لها في صنع هذا الواقع .

■ عبدالله مسعود ارحومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى