مقالات

(علي وإسلام والسرايا الحمراء وشط الحرية)

الشقيقان علي وإسلام شابان من مدينة طبرق الجميلة، قدما إلى مدينة طرابلس عاصمة كل الليبيين لإنجاز بعض المعاملات الورقية فى التعليم ومكتب الجودة، هما صديقان لأبناء أخي. الشقيقان «حسام ورضوان «، اقترحا أولاد أخي أن أرافقهم فى جولة ليلية داخل مدينة طرابلس لمقابلة الشقيقين علي وإسلام وللتسليم عليهما ، ولأني أعاني من الخمول وكثرة النوم بسبب المرض الصعب الذي أعانيه فقد وافقت وبحرارة على الخروج إلى المدينة للاستمتاع برؤية شوارعها التي افتقدها مع أن الناس تشتكي من الزحام الشديد ، لكن حسام ورضوان قالا لي: إن الفترة المسائية أقل ازدحاما وبالتالي لن تشعر بالضيق كما يحدث فى فترات ذروة الازدحام النهاري ، وأمام بحيرة السرايا الحمراء حيث التاريخ والسياسة يختلطان وحيث الماضي والحاضر يتعانقان ليصنعا حاضر ليبيا ومستقبلها الواعد قابلت الشقيقين علي وإسلام المفعمين بالحيوية والرغبة فى استكشاف معالم مدينة طرابلس ، ويبدو أن أضواء المدينة وإعلانات المحلات وبريق الأضواء جعل الفسحة أقرب إلى المغامرة التي أخوضها مع أبناء أخي وصديقيهما صحبة عكازي الذي أصبح جزءا من وجودي ، وهكذا خضت الفسحة وأكتبها كقصة صحافية، أرجو أن لا تكون مملة للقارىء وليعذرني ، فهناك رحلات تبدأ عند الوجه المعتم للمدن وماهو مخيف فيها، وهناك ما يبدأ عند الوجه المضيء والمبهج للمدينة وجمالياتها ، ولكن للرفقة طقوس وتفاصيل ، وإذ بنا نكتشف، عند بداية الجولة الطرابلسية ، أنّ المدينة المطلةّ على البحر، زاخرة بالجمال ، والأضواء ، والأطفال وبمحلات المواد الغذائية والأحذية ، والمقاهي الصاخبة ، والتناقض ، ولعلّ التمثيل الأبرز لهذا التناقض يتجسّد في مبانيها القديمة وإعلاناتها الحديثة ، فعلى ضفاف بحيرة السرايا الحمراء القديمة ، تذكر إسلام مشاهد مسلسل شط الحرية والممثل « خالد ابريك « بطل المسلسل من وجهة نظر إسلام ، فهو نجم ليبي ، يجسد الحالة الليبية ويستخدم العفوية والتلقائية فى تجسيد أدواره مما أعطاه محبة الجمهور ، ثم تحول الحديث عن مصرف ليبيا المركزي فقد بدأت أنواره ساطعة من المكان الذي وقفنا فيه ، ودار حول ضريبته المبالغ فيها وطريقة عمله، فدار حوار طويل ، والحقيقة لا يمكن التعرّف إلى طرابلس بمنأى عن مصرف ليبيا المركزي ، فالحياة أصبحت أرقاما وأموالا ، ولن تجد الأرقام أو الأموال إلا فى مصرف ليبيا المركزي ، فهو مشروع حوار ومادة حديث لأغلب الليبيين ، لكن مثلما لا يكون الحديث مكتملا عن طرابلس إلا بالحديث عن المصرف المركزي فكذلك لا يمكن الحديث عن شط الحرية دون الحديث عن أبطاله « سليمان اللويطي ، عادل أبوشهبة ، خالد ابريك جمال الرقعي، نجم فرج، عبدالهادي بوخريم، إبراهيم منصور، احميده حميد، عبدالباسط الفالحوالمؤلف فتحي القابسي ، فكل واحد منهم ينتمي إلى مدينة تشبه مدينتنا فى الرطوبة والمعاناة والكد والمشاكل والعراقة والتقاليد وحب ليبيا ، إنها الأسس التي تجمع كل الليبيين حول بلدهم ومدينتهم ، لكن تبقى الجولة المسائية فى مدينة طرابلس- صحبة أصدقاء من طبرق- لها طعم خاص، فالجغرافيا لا تصنع الانقسام حين تلتقي القلوب وتصفو العقول وتنتفي المصالح والمقاصد وتختفي السياسة اللعينة ، وبعيدا عن العوالم السفلية المسكوت عنها، ككثرة الأفارقة وغزوهم لشوارع المدينة والاهتمام ببعض الشوارع دون غيرها والعوالم الظاهرة، مثل محلات الأكل المتناثرة فى الشارع وكأن الليبيين لم يعد لديهم مطابخ فى بيوتهم ، وشرب القهوة فى كل شارع وكأن البن مفقود فى المنازل، وانتشار محلات البيتزا والأزقة الضيقة المظلمة ، وهي موضوعات لا ضير في إعادة الحديث عنها والتنبيه لها، لكي تكتمل صورة طرابلس الجميلة على رأي « رضوان «، وبينما كان « علي «. كأنه صيّاد يرصد علامات المدينة ويلتقط الصور التذكارية لمحلات البيتزا، والمطاعم والمقاهي والفنادق وكأنه سائح فضوليّ يبحث عن تذكار للمدينة وعن رمز المدينة المقدس: الذى وجده فى جدران السرايا الحمراء وفى ميدان الشهداء فقام بتوثيق تلك الأماكن كدليل يقدمه لأصدقائه في طبرق عبر صفحات التواصل الاجتماعى ، على جمال عاصمتهم طرابلس، فالصورة عند جيل اليوم تسلك الطريق السريع، فلا وجود لمطبّات بلاغية أو وعورة إنشائية، إنّا استرسال مُنساب وإيقاع سريع. هكذا لا يعود هناك فرق بين ان يحدثك أحدهم عن مدينة أو أن يريك صورة عنها، فكل التفاصيل تجدها داخل الصورة دون عناء الشرح والتحليل ، فمن يلتقط الصورة يصبح هو ومن يشاهدها مشتركان فى المعرفة، فالمرسِل واحد وكذلك المتلقّي .

■ الدكتور : أبو القاسم صميدها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى