ارتبط مفهوم الحرب منذ القدم بالعنف، غير أن المتغيرات العالمية (العولمة) و سقوط الاتحاد السوفيتي و أحداث سبتمبر وما نتج عن الحروب الكبرى المتلاحقة أعطى زخماً جديداً للأحداث، تطورت معه أشكال الحروب، بعد أن كان الجيل الأول منها يقوم على ترتيب الجنود في أنساق تعتمد على الكثافة العددية لإنتاج أكبر قدر ممكن من النيران أثناء الحرب، أما الجيل الثاني منها فكانت تكتيكاته تستند إلى النيران و الحركة و الارتكاز على الخطط العملياتية محل القوة البشرية الكبيرة، أما الجيل الثالث من الحروب فيتمثل في الحرب الخاطفة التي تعتمد على المناورة بالنيران و القوات بدلا من المواجهة و الالتحام اللذين ينتج عنهما خسائر كبيرة، وتعتمد تلك الأشكال الثلاثة على استخدام القوة العسكرية بشكل مباشر لتحقيق الأهداف، وهي مزيج من القوة الصلبة والقوة الناعمة في استراتيجية واحدة فاعلة.أما اليوم نعيش ما يمكن أن نسميه حروب الجيل الرابع التي تهدد الأمن القومي فهي تعتمد على العمليات النفسية بشكل كبير ويتم تنفيذها عبر أفراد و جماعات مدربين لإحداث قلاقل واضطرابات و نشر الشائعات لتدمير الروح المعنوية و إفشال مؤسسات الدولة والعمل على استمرار الفوضى الداخلية، و إحداث أكبر قدر من الفوضى و الارتباك والذعر الداخلي بشكل يسمح بالتمهيد للتدخلات الخارجية لشل الدولة ودفعها إلى الانكفاء على الذات، و يركز هذا النوع من الحروب على متغير مهم وهو )التهديد الذي ينبع من الداخل(، كما يتميز أيضاً باللامركزية فهو يتجاوز المفهوم العسكري الضيق للحروب إلى مفهوم أوسع، وتنقسم أدواته و أساليبه إلى داخلية و خارجية، تعمل الأدوات الداخلية على زعزعة الاستقرار و إنهاك قوة الدولة و إسقاطها من الداخل، بينما تعمل الأدوات الخارجية على تشويه النظام السياسي باستخدام وسائل و تقنيات غير تقليدية لإنهاك الدولة بشكل منهجي للوصول إلى الانهيار الاجتماعي الداخلي، وغالباً ما تكون الدول المتعددة المذاهب و القوميات ساحة خصبة لهذا النوع من الحروب، حيث يتم استغلال هذا التباين عن طريق الحشد المادي و الإعلامي و العسكري لبث الفرقة و تعميقها و إضعاف مؤسسات الدولة وإنهاك جيشها ليسهل بعد ذلك السيطرة عليها بعد أن ينتشر فيها الفساد و الركود الاقتصادي و تسوء الأحوال المعيشية و يتدنى مستوى التعليم و يتفشى الجهل والتضيق السياسي ، فيتم استغلال هذا الاحتقان بشكل منظم عبر عناصر وعوامل داخلية يتم توظيفها وتحريكها لتحقيق أهداف هذه الحروب. يجب علينا التركيز على مخاطر التنظيمات والجماعات العابرة للحدود التي تتجاوز أجنداتها الولاءات الوطنية والانتماءات الجغرافية للأرض والسكان، فهذه الحروب ليس لها ساحات قتال محددة لكنها تنتشر في أرجاء الدولة المستهدفة في وقت واحد، هذا النمط الجديد الذي يعتمد على هدم استراتيجية الدولة من الداخل بعد أن أصبحت الحروب الإلكترونية السمة الغالبة للحروب المستقبلية خاصة وأن العالم أصبح يعتمد بشكل رئيسي على الفضاء الإلكتروني في البني التحتية المعلوماتية، العسكرية والاقتصادية وغالبا ما تدور هذه الحروب في بيئة غامضة يصعب فرزها .
■ الدكتور : عابدين الشريف