الاختاف بيننا انتقل إلى البديهيات التي كنا نراها حتى وقت قريب من المسلمات، صرنا نختلف في كل شيء ونتبادل الاتهامات ونتقاذف بالشتائم ونصل في بعض الأحيان إلى توجيه التهديدات لبعضنا البعض لسبب واحد فقط هو أن الطرف الآخر يخالفنا الرأي ويسير في غير الاتجاه الذي نسير فيه. ما لم نتعلم إدارة خافاتنا والاتفاق ل على بعض الثوابت التي تحافظ على نسيج المجتمع وسيادة ووحدة الباد سنظل لسنوات وربما لعقود ندور في حلقة مفرغة ونجتر مواقف وتوجهات لا تسمن ولا تغني من جوع. الإختاف من سن الحياة ولا يمكن أن يتشابه الجميع في كل شيء أو يتفقون حول كل القضايا، هذا أمر مستبعد وربما مستحيل، لكن لا ينبغي أن يتحول هذا الإختاف إلى خاف ولا أن ينتقل عدم التوافق إلى خصومة أو عداء إلى درجة أن يرفع كل طرف شعار (من ليس معي فهو ضدي) وبالتالي من هو ضدي لابد أن يكون عدوي الذي ينبغي تحطيمه وهزيمته. هذا الإسلوب في التفكير وهذه الطريقة في التعامل لا يمكن أن تبني وطناً ولا أن تساعد على ردم الهوة الفرقاء وهي ن كذلك عادة تجاوزها الزمن وتخطاها العصر الذي صار يبني بالحوار والتفاهم كل قواعده وجميع أسسه. ينبغي أولاً وقبل كل شيء أن نتعلم كيف ندير خافاتنا وأن نحوّل المقولة المشهورة (الخلاف لا يفسد للود قضية) إلى أمر واقع وحقيقة ملموسة وأن نتعلم من تجاربنا الأخيرة كيف أن المواجهة والصدام لم ينجبا إلا الخراب والدمار، وأن محاولة طمس الآخر وإقصائه لم يحققا سوى التشرذم والقطيعة، وأن الأفراد في المجتمع كالأصابع في اليد تختلف في حجمها وشكلها لكنها في النهاية تشكل الكف الذي لا يستغني على أيٍّ من أطرافه . قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة قال عمر بن الخطاب المعروف بأنه الديكتاتور العادل «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» إذن لا أحد يدعي أنه يملك الحقيقة الكاملة أو المطلقة وأن أفكاره ورؤاه هي الوحيدة التي تحمل بذرة الصواب وخريطة الطريق . صحيح أن البديهيات لا ينبغي أن يحوم حولها خاف، وأن القواعد الأساسية لا يمكن أن يكون فيها شك، لكن أحياناً يكون هناك خاف في التفسير أو شك في المسار لكن لا هذا ولا ذاك يمكن أن يعرقل المسيرة أو يعيق الإنطاق .
■ خالد الديب