مقالات

من وحي الرسائل

دعوة لحضور ملتقى (الجزء الأخير)

(أما الموضوع الثالث) الذي طلبت من صاحبي توضيحه فيتعلق بالدعوة الموجّة لحضوري ومشاركتي هل هي دعوة شفوية أم كتابية موضح بها المكان و الزمان و الموضوع؟! وهل هي دعوة شخصية لها علاقة بتجربتي وخبرتي وتخصصي وقدراتي وقناعتي أم أنها دعوة لها علاقة بانتمائي القبلي أو الجهوي أو المدينة التي أعيش بها أو الإقليم الذي انتمي إليه ؟! ولأجل ذلك بينت لصاحبي خطوة وأهمية هذه المسألة فحضوري ومشاركتي على المستوى الشخصي أتحمل وحدي مسؤولياته و تبعاته، أما إن كان حضوري له علاقة برابطة الدم أو المدينة أو الإقليم أو المهنة أو جهة العمل فتلك مسألة تستوجب أن يقع فعل الاختيار و التكليف بالكيفية التي تراها الجهة المستهدف تمثيلها وحضورها ووجودها بالملتقى الذي تدعوني لحضوره . أحسست بأنني قد أرهقت صاحبي الذي التزم الصمت وأجاد فنّ الاستماع ورغم ذلك دفعت له (بالموضوع الرابع) الذي يجب هو الآخر أخده بعين الاعتبار و المتعلق بالمصير الذي ستؤول إليه القرارات و التوصيات الصادرة عن الملتقى و كيف ستجد طريقها إلى التنفيذ ؟! ومن سيتولى رعايتها ؟! وهل توجد جهة أو جهات في هذه الظروف التي تعاني منها ليبيا قادرة على إيجاد صيغ تشريعية أو تنفيذية للأخذ بها ،أم أن كل تلك المجهودات و القرارات و التوصيات التي تمخض عنها الملتقى سيطويها الزمن و يمحوها من الذاكرة بسبب شدة وضراوة معاناة الليبيين لتبقى مجرد حبر على ورق ، ومجرد حكاية وقصة لمجموعة بشرية تنادت والتقت في يوم من الأيام فقالت الذي قالت ، وكتبت الذي كتبت ، ثم انصرفت وتفرقت ، وتلاشت بعد أن أكلت الذي أكلت . لم يستطع صاحبي الطعن أو النيل من ضرورة حصولي على كل تلك التوضيحات والتفصيلات خاصة بعد أن كشفت له أن الغموض الذي اكتنف تلك المواضيع كان في الحقيقة من وراء اعتذاري مرات عديدة سابقة عن المشاركة في أية ملتقيات ، أو تلبية أية دعوات ولعل صاحبي بعد سماعه لكل ذلك أحس بالذي أحس به فهدأت نبرة صوته ولم تعد تلك النبرة الأولى التي استهل حديثه معي فناشدني من جديد الحضور و المشاركة دون أن ييأس ودون أن يلغي موضوع الدعوة و المشاركة . رأيت أن أختم حديثي مع صاحبي بمجموعة مفاهيم وحقائق ورسائل – اعتقد بصحتها – فأكدت له أن الأحوال التي تمر بها بلادنا غاية في الصعوبة ،وغاية في التعقيد وأنه إذا ما حاولنا حصرها ،ووصفها وتصنيفها داخل مسمى واحد فإنه يمكن القول بأنها مشكلة وأزمة أمنية بامتياز سببها الرئيسي انتشار ملايين من قطع الأسلحة المختلفة خارج سيطرة الدولة فكان ذلك من وراء كل المشاكل والأزمات الأخرى بما فيها ضعف الدولة ذاتها وعجز مؤسساتها المختلفة . ارتفعت نبرات صوتي أنا الآخر ،وأقسمت له بأن ليبيا لا تحتاج إلى رجال قد يجيدون فنون السياسية بقدر حاجتها الماسة والشديدة إلى قادة وزعماء وطنيين قلوبهم متحدة على وطنهم ، همهم ليبيا يخشون على سيادتها ،ويخافون على وحدتها ويدركون تماماً أن الاختيارات لحضور الاجتماعات و اللقاءات المختلفة المختصة بالأزمة والحالة الليبية الراهنة ،والبحث عن الحلول المناسبة الناجحة لها يجب ألا يؤسس أبداً على التحاصص ونصيب القبيلة أو المدينة لأن ذلك كله بمثابة زرع للأمراض في جسد ليبيا ،وأنه سيزيد من وهنها وضعفها وأنه يكرّس مفاهيم تفككها وتمزقها . إن الدولة المدنية العصرية الحديثة لا تؤسس أبداً على الدماء الجارية داخل العروق ، ولا تؤسس على جغرافيا وتراب الإقليم الذي يفصل بين الإخوة و العائلات الواحدة (فدولة كندا) مثلا تتواجد على أراضيها كل أجناس العالم الذين يدينون بمختلف الديانات ، ويتكلمون مختلف اللغات ،ويقطنون مختلف الولايات ، ولم تأخد التشريعات الكندية بأية اعتبارات قد تحدث تمييزاً أو فروقا فيما بينهم واعتبرتهم تلك التشريعات بأنهم مواطنون كنديون متساوون بنالون ذات الحقوق ، وتقع عليهم مسؤوليات محددة تبينها قوانينهم وتشريعاتهم . شكرت صاحبي على حبه لوطنه ،وعلى تألمه وإحساسه بمعاناة أهله ، وأكدت له سوء نوايا أشخاص لا يأخدون بهذه التوابث والاعتبارات عند حضورهم ومشاركتهم في اجتماعات ولقاءات تريد أن تضع حلولاً تلقى تنفيداً وقبولاً واحتراماً لأزمة في حجم الأزمة الليبية .قاطعني صاحبي فجأة وطلب مني موقفاً صريحاً بعد هذا الجدل الطويل فعبرت له بدوري عن حزني ، وألمي وأسفي لما يعانيه أهلي ، وللمصير الذي بتُّ أخشى أن يؤول إليه وطني ،وعبرت له عن تمسكي الشديد بكل تلك الاعتبارات و الملاحظات ،كما صارحته بأن (موقف المتفرج) هو الذي سأقبله لنفسي حتى لو تم وصفه بأنه موقف سلبي ، وجبان ، ومتردد (وماسك للعصا من الوسط) .أكدت له أن هذا يتيح لي فرصة مراقبة ورصد وتحليل الأحداث الجارية عن قربٍ وبعينٍ تمعنت في قراءة تاريخ العديد من الأزمات التي عصفت بمختلف الأوطان واهتزت لها أركانها ،وأيقنت جيداً بأن الحالة الليبية لن تكون استثناءً من أزمات التاريخ المشابهة .

■ عمر الناجم ديره

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى