مقالات

في الأدب (3)

والأمة سلوك وملامح وهذا السلوك وتلك الملامح تولد من ترابها وطبيعتها وتولد من تراكمات تاريخها وظروفها ثم تغتسل وتتطهر على يدي دينها لتكون بعضا من سمو وسماء في بعض من أرض وتراب وتراكمات التراث هي من بعض ملامح الأمة وهويتها والاختلاف بين الأمم والشعوب في اللسان واللون هو من بعض آيات الخلاق العظيم وهو / تماما / كخلق السماوات والأرض .. فالاختلاف في “اللسان” هو بصمة الأمة في فكرها ونغمها وتذوقها للتفاهم الذي يجري بينها و”اللغة” ليست “لسانا” .. فلقد يتكلم المرء غير لغة قومه ولكنه يظل غريبا عنها مهما أتقنها وتظل هي غريبة عنه مهما عشقها و”رطن” بها و”معرفة قواعد لغة” لاتعني “اللسان” الذي يميز قوما عن قوم فاللسان “حس” فينا يتمشى في عروقنا ونحن في “رحم الأم” .. أي نعم .. حسنا باللسان مجردا من المفردات يجري في عروقنا نغما ووزنا وحسا ونحن في الأرحام فهو من بعض “خصائصنا” التي نتلقاها غيبا في الغيب وقبل أن نكون شيئا مذكورا يعرف المفردات ويتهجاها نطقا وهو يسمعها تدور حوله في البيت “اللسان” هو “حس” الصوت فينا .. والصوت هو مطلق “التصويت” بكل ما فيه من معان تستعلي على كل المفردات وقد بقي في الإنسان كثير من “التصويت” الذي استعصى على “المفردات” فبقي مجرد صوت “معبر” تعبيرا كاملا شاملا عما لا يستيعه الكلام بكل أشكاله ومن ذلك التنهيدة” في الألم والقهقهة في الفرح أو تحت عوامل القهر .. وم ذلك “الصراخ” المطلق بلا مفردات في الخوف او في النداء ومن “التصويت” الذي بقي فينا “البكاء والنواح” و”النغمات” والدندنات” .. وكثير من غناء الأمهات في البدايات المبكرة من الطفولة هي مجرد “تصويتات” تقولها الأم لطفلها تهدهده بها من غير كلام ولا مفردات .. فهي “تنغيمات” خالية من كل كلام مفهوم لأنها “محسوسة” ولا علاقة للفهم بها وهذه “التصويتات” هي التي تطبع فينا حسنا ب “الصوت” في جرس الحرف في تطويله وفي تقصير النطق به وهو مجرد صوت ولكنه يرتسم فينا حتى يتحول فينا إلى كلام من جنس “الصوت” الذي كان يتردد فينا بلا كلام .. الصوت هو خريطة حسنا التي يولد منها الكلام ومامن شك في أن لكل أمة ولكل شعب “تصويتاته” التي يستلهمها من عزف رياحه ومن صوت حفيف اشجاره ومن قرقعات رعوده ومن اصوات حيوانات بيئته المحيطة به التي عاشرها وأحبها حتى شكلت فيه ذائقته وحسه ومن “ترانيم” وتناغيم يسمعها بلا كلام ولكنها تستقر فيه حتى تلد معانيها ف “اللسان” هي “خصائص” النطق فينا .. وهو “جرس أصواتنا” بما تعنيه و”خصائص” النطق هذه تولد في الأمة كما تولد فيها ملامح تكوينها الظاهري في ملامحها ولونها وطعامها ولباسها ومشيتها وهي التي تشكل موروثها في كل شيء واللسان هو نحن .. نحن نغما ووزنا وحسا وذائقة لا تتكرر في غيرنا فإذا فقد الأدب خصائص امته وبيئته التي ولد فيها ومنها فهو أدب “لقيط” لبيئة له وهو أدب “غفل” بلا سمة وبصمة ولا خصائص ولا نسب .

■ عمر رمضان اغنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى