مقالات

الفيس بوك ونهاية التاريخ

تنبأ الفيلسوف (هيجل) بنهاية التاريخ ، فنحن نعرف أن الفلسفة الفرنسية استلهمت افكارها وتطورت استنادا على الفكر الفلسفي الألماني وخصوصا افكار الفيلسوف (هيجل) الذي أخذ منه الفرنسيون الأفكار التي شكلوا بها مبادىء ونظريات الفلسفة الفرنسية الحديثة ، وقد تتلمذ على يد هيجل مريدون كثر كان أهمهم هو (الكسندر كوجيف) والذي تتلمذ على أفكاره عدد من المعاصرين منهم «فرنسيس فوكوياما “ الأمريكي صاحب نظرية نهاية التاريخ الشهيرة ، ولعل ما يلفت النظر ويهمني فى هذه الزاوية هو ما كان يتحدث عنه كوجيف الذي كان أستاذا للفلسفة في جامعات باريس ، ففي محاضراته عن هيجل أستاذه ركز كوجيف على جدلية العلاقة بين (العبد والسيد) وبين رب العمل والعمال ،وقاده ذلك لاستنتاج بنهاية التاريخ ، معتبراً أن التاريخ انتهى في الولايات المتحدة الأميركية بعد أن تمّ إلغاء الرق وتحرير العبيد وأصبحت الملكيّة الخاصة شأن جميع الطبقات، فا طبقة تعلو على الأخرى، وبهذه النظرية تأثر فيما بعد المفكر الأميركي فوكاياما في كتابه : «نهاية التاريخ» الذي صدر بعد انهيار جدار برلن، وانتفاء الأنظمة الشيوعيّة، ومقتديا بهيغل، فقد شدّد كوجيف على أن سير التاريخ الهائل الاتساع يبرز بشكل جليّ الطاقة الفعليّة للعقل البشري وقدرة الإنسان على تخطي العواقب والعراقيل والمحن. وتناول محطات حاسمة في حياة البشر كانت مثالا على القطيعة والتحولات الفادحة كبداية الثورة الصناعية واختراع الكهرباء والراديو والبارود ، وغزو الفضاء ، واعتمادا على هذا، يمكن أن يكون التاريخ سلسلة من الفواجع والنكبات والمحن، لكنه يكون في الآن نفسه سيرورة تقدم وتطور مهمة لحياة الناس ، وفي محاضراته عن هيغل ، جعل كوجيف من «الرغبة» موضوعاً فلسفيّاً مؤثراً بذلك في من لحقه من المفكرين الغربين ، وهو يرى أن وجود الإنسان «يتحقّق بالرغبة، ومن خالها». كما يرى أن ل وجود الإنسان وتألقه «يفترض الرغبة ويتضمنها» . وطالما كان للبعض الرغبة فى جمع الأموال والربح كما تفعل الشركات المصنعة وأصحاب البنوك فإن العالم سيشهد محطات كثيرة يُخيل للبعض أنها نهاية التطور – والتاريخ – غير أن الأيام لا تثبت هذه النظريات الآنية حتى الآن ، فبعد سقوط الشيوعية هلل الغرب لنهاية التحدي والتاريخ ، وبعد اكتشاف «الفمتوثانية” والخارطة الجينية البشرية هلل الغرب لنهاية وسقف التاريخ ، وبعد كل ظهور واسع لمنتج أو اكتشاف طبي أو علمي ترتفع الأصوات بنهاية التاريخ ، لكن التاريخ سفينة مبحرة في محيط واسع لا يعلمه إلا اهل سبحانه ، وحن ظهر “ الانترنت “ ل وعائلته العالمية (كالفيس بوك والتويتر والتوك توك) وبعد أن صار كل شخص بمقدوره الكتابة والنشر والقراءة في أي موضوع والتحدث بدون قيد عن أي شيء بدون قيد أو ضابط وبعد أن أصبح الجميع مفكرين وفلاسفة وواعظن ومحللين ومؤرخين ، صار التاريخ نفسه ولأول مرة في مأزق وفي مفترق الطرق والتوهان ، وضاعت الحقيقة وصار بإمكان طفل صغير داخل سريره أن يبعث بأفكاره الطفولية ورغباته إلى جميع أنحاء العالم بالضغط على زر تلفونه المحمول ، وبهذه الكيفية تصدعت قواعد المعرفة والابستيمولوجيا وتخلخلت أسس المعلومة وانتشر الضباب فى طرق الولوج لما هو مفيد وما هو حقيقي وما هو مزيف ، وبالعودة إلى آخر ما ساقه «كوجيف» عن التاريخ حن قال : «كل شيء مرتبط بنهاية التاريخ، وهذا أمر مسلّ، فقد كان هيغل قد قال هذا .. وأنا أيضا أقول هذا ، غير أن أحداً لم يقبل بأن التاريخ بات مغلقاً. وعلينا أن نعترف بأن البعض حتى من الناس العادين وليس الفاسفة قد فكروا فى السؤال : هل وصل ل العقل البشري إلى نقطة الانغاق والتاريخ إلى نهايته ؟ إن هذا الأمر يمكن أن يكون من الترهات ومن الأباطيل ومن الدهشة التي صنعها الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ، لكن لو تمعنا فى الأمر جيدا فسنجده رائعا وممتعا وعبقريا ، لقد جاء فى القرآن الكريم ما يشير إلى نهاية التاريخ ، فلو تأملنا الآية الكريمة وقول اهل تعالى : (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) سورة يونس عليه السلام ، ولعل فهمى المتواضع لهذه الآية العظيمة هو “أن الحضارة على الأرض لابد أن تبلغ ذروتها بتقدير اهل تعالى وتصل إلى أقصى حدودها وعند ذلك يأتيها أمر اهل سبحانه وتعالى بقيام الساعة ، وبعيدا عما نعتقده فالحضارات عموماً منذ الأزل تتقدم وتتطور حتى تصل حدا معينا ثم تنهار وترثها حضارة أخرى مثل ما جرى للحضارات القديمة ؟. وهكذا فلربما أن المسألة بكلّ بساطة هي أن هيجل أخطأ في التقدير بمئات السنن ، فنهاية ي التاريخ لم تحدث مع انتهاء عصر الرق والاستعمار ولا مع جيوش نابليون، ولا مع ستالن والشيوعية ي وهزيمتها ، ولكن مع كل نكبات العالم وطفراته لم ينته التاريخ فا شيء مطلقاً، والغريب وعلى صعيد الفلسفة ومنذ هيجل وكوجيف وفوكوياما، لم يقل أحد شيئاً، بل لم يقل أحد شيئاً جديداً.. لقد ولدت الفلسفة فى باد اليونان القديمة ، وبعدها لا جديد تحت الشمس ، والكلمة الأخيرة هي أن كلّ شيء تغير بما في ذلك أساليب الحرب والمعرفة ، لم يعد هناك جندي فارس كخالد بن الوليد او قائد شجاع كصاح الدين الأيوبي ، ولم يعد هناك حكيم كنلسون مانديا ، فالعلم مضطرب ومختنق والرقميات تسيطر على كل شيء حتى حياة الإنسان أصبحت أرقاما وخوارزميات ، مقياس ضغط الدم ونسبة السكر ووزن الجسم درجة الحرارة مقدار السعرات ،كلها أرقام ، وهذا يشير إلى أن التاريخ بات مغلقاً ، حتى ولو لم ينته .

* الدكتور : أبو القاسم صميدها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى