مقالات

فضيلة التسامح

أكد الإسام على الروابط الاجتماعية التي تقوم على أسس من القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية، وذلك بالدعوة إلى الكثير من الفضائل التي تعمل على وحدة المجتمع وتقوية أواصر الأخوة بن أفراده وذلك عبر التعامل بسلوك راق يقوي لحمة المجتمع ويعزز فاعلية أفراده في بناء اوطانهم وصنع تقدمها.. وتأتي في مقدمة الفضائل التي أمر الإسام بالاتصاف بها فضيلة التسامح التي تعني القدرة على العفو عن من أساء إليك رغم موقفك القوي وقدرتك على رد الإساءة بمثلها أو بأكثر منها . التسامح ينطوي على الكثير من القيم الجميلة والأخاق الحميدة التي جاء بها الإسام كالمحبة والدعوة إلى الخير وإصلاح ذات البين بين فرقاء متخاصمن، وإن من الواجب الإشارة إليه أن كلمة التسامح لم تأت صريحة في القرآن الكريم بل وردت في مضمون معاني كلمات مختلفة مثل العفو والصفح والمغفرة ..وقد جاءت كلمة المغفرة في أكثر من آية
لتدل على سمو روح من يتصف بالتسامح وعلو همته وترفعه عن الانتقام وردة الفعل التي كثيرا ما تأتي هوجاء وعاطفية ولا تؤدي إلا إلى مزيد من الفرقة ونشر العداوات بن الناس ومن أجل ذلك وتأكيدا على حرص الإسام على التسامح فقد وردت كلمة العقاب في القرآن الكريم (117) فيما وردت كلمة مغفرة (234) مرة أي أن كلمة مغفرة التي تطوي على معنى العفو والتسامح قد وردت ضعف كلمة العقاب. وقد حرص الإسام على العفو وجعله من الفضائل التي يجب على المؤمن الاتصاف به لكونه يعطي معنى التسامح
وذلك في قوله تعالى (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) وإذا بحثنا في معنى التسامح لوجدناه بمعنى (التماس العذر للمخطئ، والبحث عن أسباب الخطأ ،وإعانته على تصحيح مساره)
والندم على ما بدر منه من إساءة اتجاه أخيه. التسامح يأتي بمعنى(لغة السعادة ، وطوق النجاة من الغرق في طوفان المشاكل والأحقاد والعداوات). وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا ومعلمنا من
أبرز أخلاقه التسامح والأخذ بمبدأ الصفح، وهو المتصف بمكارم الأخاق، وقد مدحه الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) وهو القائل صلى الله عليه وسلم عن نفسه (أدبني ربي فأحسن تأديبي) وكان صلى الله عليه وسلم يتمثل في كل مواقفه قول الله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) ولعل من أكثر المواقف التي تعطينا الدرس العظيم في التسامح والعفو والمغفرة موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من كفار قريش الذين آذوه وكذبوه وحاصروه وعذبوا اصحابه ولم يتركوا وسيلة لأذى الرسول إلا واستخدموها ..إلى درجة إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما اشتد أذى الكفار، أمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة ..وعندما دخل مكة فاتحا منتصرا وقف كفار قريش وهم في حالة يرثى لها من مذلة الهزيمة والخوف من العقاب الذي يتوقعونه من النبي صلى
الله عليه وسلم وعلى الرغم من انتصاره عليهم والقادر على الانتقام منهم ورد إساءتهم له بمثلها أو بأكثر ولكن ومن منطلق أخلاقه السامية آثر العفو والتسامح وقال عبارته المشهورة (اذهبوا فأنتم الطلقاء) هذا
الموقف النبيل والمتسامح جسدقيم الإسام التي عندما أخذبها وصل الإسام إلى أعلى درجات التقدم وبفضل خلق القرآن دخلت الناس في دين الله افواجا . فالتسامح والعفو عند المقدرة لا تتصف بهما إلا كل نفس رضية فاضت بنور الإيمان وقوة اليقن ومحبة الله والقرب منه طمعا في مغفرته ورحمته وطلبا لرضاه. الأوطان لا تبنى إلا بالتسامح وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، فإذا لم نأخذ بمبدأ التسامح والعفو فإن هناك عواقب وخيمة ستعود على المجتمع الذي سيبقى افراده في حالة خصومة وتفشي العداوات فيما بينهم وتتنامى فيه الرغبة في الانتقام والحرص على العقاب مما يجعله مجتمعا متخلفا يسعى بخطى مسرعة إلى هاوية الضياع. ولا يعني التسامح أن نترك من أجرم في حق الناس أو الوطن دون عقاب، الذي يجب أن يتم عبر القضاء ووفق ما تنص عليه القوانن فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) في هذه الآية الكريمة ربط الله سبحانه وتعالى القصاص بالحياة تأكيدا على أن القصاص يحافظ على حياة الناس بزجر من ينوون القتل عن غيهم فيمتنعون عن ارتكاب جرائمهم حن يعلمون إن هناك قصاص سيطالهم، وإن عدم الأخذ بالتسامح والعفو وغياب القصاص سيغرق المجتمع في الفوضى فتسود فيه الكراهية وتتنامى فيه نزعة الانتقام وهو ما يؤثر على وحدته وقوة ترابط
افراده مما قد يؤدي إلى انهياره، فليكن الصفح والتسامح والدعوة إلى المصالحة الوطنية هي ما نعمل من أجله جميعا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ وطننا وإلا سنجد أنفسنا قد تحولنا إلى وحوش في غابة لا يمكن لأحد العيش فيها إلا لمن يمتلك ظفرا ونابا.

* عبدالله مسعود ارحومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى