يبدو أن منطقتنا كتب عليها أن تعيش في تقلبات وصراعات دائمة، وكلما قررت التقاط أنفاسها وتجاوز أزماتها عادت الخلافات المدعومة من الخارج؛ لتطفوا على السطح مرة أخرى خاصة تلك التي تدعمها وتروج لها الولايات المتحدة الأمريكية سواء في العراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن أو السودان ومن قبلهم الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكما ساهمت واشنطن في تأزم الأوضاع داخل كثير من الدول العربية وفي مقدمتها فلسطين المحتلة واليمن؛ لتنفيذ “أهدافها ودعم الدولة العبرية”، تعمل أيضا على أن يستمر الخاف بن الأشقاء في ليبيا، التي “يطمح الجميع أن تعبر الفترة الحالية وتصل لفترة أكثر استقرارا وتناغما بن اللاعبن السياسيين كافة”. وعاد الخاف من جديد بن الأطراف الليبية بسبب التدخل الخارجي السافر في الشأن الداخلي الليبي والذي يعمل باستمرار على افتعال الخلافات بن القادة السياسيين والعسكريين في الباد؛ بهدف تأجيج الصراع وخلق أزمة سياسية وعسكرية جديدة تضمن بقاء الساسة الموالين لدول الغرب في السلطة والدفع بقادة عسكريين جدد خلافاً للقادة الحالين الرافضن لهذا التدخل الأجنبي. وبعدما اتفق رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة في القاهرة على ضرورة تشكيل حكومة موحدة في الباد للمضي قدماً نحو إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة يطمح الشعب الليبي في الوصول إليها وضرورة إنهاء الانقسام العسكري القائم بن معسكري الشرق والغرب، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية سراً للدفع بقائد جديد للقوات المسلحة العربية الليبية. وأصدر محمد المنفي قراراً في 14 مارس الجاري ينص على ضم قتلى وجرحى قوات الجيش الوطني الليبي إلى الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء والمفقودين والمبتورين بحكومة الوحدة الوطنية، كخطوة أولى نحو توحيد المؤسسة العسكرية في الباد، إلا أن الشارع الليبي في طرابلس وبتوجيهات من دول الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية رفض هذا القرار . ورغم أن واشنطن أكدت علنا دعمها لمساءلة توحيد الباد وإنهاء حالة الانقسام، إلا أنها في الخفاء ترفض تماماً فكرة تواجد خلفية حفتر في المشهد السياسي والعسكري، وتعمل بشتى السبل لتشويه صورته أمام المجتمع الليبي على أنه أحد أسباب الانقسام، وعلنا تدعم تواجده في منصبه وأنه في حال توحيد المؤسسة العسكرية سيكون قائداً لها . وعلى صعيدٍ آخر تعمل واشنطن بحسب مصادر ليبية متعددة على تجهيز قائد آخر لقيادة المؤسسة العسكرية في الباد وهو قائد اللواء (444)، محمود حمزة، وهو ما تبين خال زيارة وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” لمقر اللواء للإشراف على تدريب اللواء (444)، وهو ما يجعل محمود حمزة مرشح واشنطن لهذا المنصب. ويرى بعض المحللن السياسيين في ليبيا، أن واشنطن لطالما كانت رافضة لتواجد حفتر في المشهد السياسي أو العسكري الليبي، والدليل على ذلك تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص لدى ليبيا ريتشارد نورلاند وعدد من المسؤولين الأمريكين المعادية للقائد الأعلى للجيش الوطني الليبي قبيل الإنتخابات الرئاسية والتي كان من المزمع أن تنعقد في 24 ديسمبر 2021 . وبعد أن تم الإتفاق في أبريل 2021 على أن تكون الانتخابات الرئاسية أواخر العام نفسه، قال المبعوث الأمريكي الخاص لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إن حفتر هو أحد العقبات الرئيسية أمام توحيد المؤسسة العسكرية وإجراء الانتخابات الرئاسية في الباد. واليوم ومع خطوات تشكيل حكومة موحدة في الباد للمضي قدماً نحو إجراء انتخابات رئاسية، بدأت واشنطن تعيد السيناريو من جديد وتعمل عبر مؤسسات مدعومة من الخزانة الأمريكية للعمل على تشويه صورة حفتر، وهو الهدف من تقرير منظمة العفو الدولية التي ألقت باللوم كله على حفتر في موت الآلاف في فيضانات درنة.
