يبدو أننا نعاني من حالة انفصام بن ما نقول وما نفعل، فنحن -على سبيل المثال- بارعون في توصيف أمراضنا بدقة، وقادرون على تشخيص عللنا بحرفية، لكننا -في المقابل- غير جادين في علاجها، ولا حتى مهتمن بتناول الدواء الذي يساعدنا على التماثل للشفاء من هذه الأمراض وتلك العلل . هذه الحالة الكارثية ليست وليدة اليوم ولا أصابتنا عرضاً دون مقدمات أو أسباب، بل هي مرض مزمن بدأت أعراضه منذ الفتنة الكبرى وما تلاها من انقسام وتشظ أصاب هذه الأمة في مقتل وغيّر مسار نهضتها في اتجاهات ودروب ومجاهل ما كان ينبغي لها أن تسير فيها أو تتلوث بوحلها أو تعرقل مسيرتها. هذا التاريخ المليء بالفخر والاعتزاز والمطرز بالإنجازات والفتوحات أصابته ندوب كثيرة وشوهته سقطات متعددة ، لكنه ظل تاريخاً محفوظاً في المكتبات ومحطات كان ينبغي أن نستفيد منها سواء بتقليد نجاحاتها أو بتجنب سلبياتها وعدم تكرارها والعودة إليها ، لكن يبدو أن لدينا ذاكرة مثقوبة ومراجعة منقوصة تجعلنا نكرر أخطاءنا نفسها وهفواتنا ذاتها ونعيد ونكرر ما كان يجب تجنبه والابتعاد عنه. ما شهدته الأندلس من صراع بن ملوكها العرب ودسائس ومؤامرات بن أمرائها أسقطها في يد الفرنجة بعد ثمانية قرون من الحضارة العربية-الإسامية وجعل أعزتها أذلة وأنهى حقبة تاريخية إسامية في أوربا كان من الممكن أن يستمر إشعاعها إلى يومنا هذا. اليوم يتفرج العرب على ما يجري في فلسطين عامة وغزة خاصة وكأن الأمر لا يعنيهم وبدل أن يكونوا في خندق واحد مع المقاومة الفلسطينية صاروا وسطاءً بينها وبن العدو، بل إن البعض منهم يشترك في مخطط تصفية القضية الفلسطينية تحت الطاولة وخلف الستار. اليوم لا نحتاج إلا لوقفة حقيقية مع الذات نراجع من خلالها هذا القاع الذي أوقعنا أنفسنا فيه ونتذكر معها المقولة الشهيرة «لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض» لذلك أذكّر من يريد أن يتذكر بقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
خالد الديب