محلياتمقالات

أبيض x ابيض

المجتمع المدني والدولة .. إشكالية العلاقة والمفهوم

المجتمع المدني هو جزء من المجتمع العام ويبرز دوره في قدرته على إقامة مجموعة من العلاقات والروابط الثقافية والاجتماعية والعلمية والسياسية إلى غير ذلك من مجالات التواصل بين الناس التي تقوم على أساس العمل التطوعي والإرادة الحرة والمصالح الواعية التي في انجازها انجاز للمصالح الوطنية ضمن سلم الأولويات، وتتسع قيمه لتشمل المختلفين في العرق والمذهب والعقيدة. في سياق هذا الطرح اختلفت الآراء حول ماهية العلاقة بين متغيري (المجتمع المدني والدولة)، فهناك من يرى أن المجتمع المدني لا يشكل بديلاً مناهضاً ومعارضاً للدولة، بينما يتهم فريق أخر الدولة بالهرم والتحجر، وبالتالي لابد من تهميش دورها ومن ثم إزالتها، أي( تجاوز أو زوال الدولة القومية الوطنية)، يعود هذا الرأي الأخير لمنظري اقتصاد السوق الذين ينظرون للعالم على أنه (سوق كبيرة) والدولة تشكل عقبة أمام اقتصاد السوق وحركة رأس المال، كما أسهمت حقائق العولمة المتمثلة في الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات ووسائل الاتصال والثورة المالية وحركة رؤوس الأموال و الاستثمارات، في فرض واقع جديد يتجاوز (الدولة الوطنية)بألياتها التقليدية، وهو ما أصبح يمس مفهوم السيادة الأمر الذي يمكن تفسيره بأن رجال الأعمال في الغالب لا يحبون (الدولة فهي حسب رؤيتهم مفسدة للاقتصاد)، وهي مجرد تاجر وصانع مخفق، في المقابل هناك مفهوم أكثر شيوعاً وهو «المجتمع السياسي» الذي يحكمه القانون الواقع تحت سلطة الدولة و من هنا يتميز مفهوم المجتمع المدني باعتباره مجالاً لعمل المؤسسات الأهلية والجمعيات التطوعية ويبرز دوره في تنظيم و تفعيل مشاركة الناس في قضايا تقرير مصيرهم والتصدي للسياسات التي تؤثر في مصالح الجماعات الاجتماعية و تكوين سلطة رقابية لرصد الانتهاكات داخل مؤسسات الدولة من خلال جهات رقابية، والاسهام في اقتراح قوانين ولوائح تنظيمية تقدمها إلى الجهات التشريعية تعمل على أن يتساوى المواطنون جميعا في الحقوق والواجبات، ومن هنا تصعب فكرة قيام مجتمع مدني قوي في ظل دولة ضعيفة باعتبارهما مكونان متكملان. وكما ارتبط المجتمع المدني أساسا في نشأته وتطوره بواقع التطور السياسي في الدول الغربية الأمر الذي جعل المفسرون يبررون ارتباطه الأيديولوجي عبر تفاعل ثلاثة نظم من القيم أولها الليبرالية ثم الرأسمالية ثم العلمانية، وهذه كانت أولى نقاط الاصطدام بهذا المفهوم في الدول العربية والاسلامية باعتبار أن هذه الدول لم تقم على أساس ديمقراطي باعتبار أن الديمقراطية هي الفضاء الرحب للمجتمع المدني لذلك يصعب استيعاب هذا المفهوم وظل اعتباره أمراً وافداً ومحل ريبة وشكوك. وفرض جانب التمويل مؤشراً اخر للريبة!! فمصادر تمويل منظمات المجتمع المدني هو من يحدد طبيعة البرامج و الموضوعات التي تنشط فيها هذه المنظمات وربماتكون ظاهرة جديدة أوجدها الغرب لتحقيق أهدافه الاستعمارية بطريقة تختلف تماماً عما كان يجري قبل الحرب العالمية الثانية وحركات التحرر التي سادت العالم.

* أ.د. عابدين الشريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى