كُثر الحديث مؤخراً حول فنون التحرير الصحفي وسط التقدم التقني الذي أدى بدوره إلى رواج مصطلح «صناعة المحتوى » على ما تقدمه وسائل الإعلام، هذا بدوره يفرض علينا إعادة ضبط المفاهيم وتوضيح مسار الممارسة الإعلامية وسط هذا الزخم المعلوماتي وثورة الإنترنت وما خلفته من وسائط كان الإعلام أول من أمتطى صهوة هذه التقنيات التي غيرت العالم. يثار الكثير من الجدل حول دور الإعلام العمومي في العصر الرقمي ومسألة الإنتاج الصحفي ونمط العاملين في هذا المجال، غير أن المختصين في هذا المجال يتفقون على أن فنون الكتابة الصحفية لا يمكن الاستغناء عنها كما لا يمكن إن تحل الكلمة مكان الصورة أو اللون لصالح الفراغ، وكما يُكمل الإخراج الصحفي عملية التحرير الصحفي، كذلك فنونه التحريرية مرتبطة وتكمل بعضها البعض، وإن تأثرت بسبب العوامل التي ذكرناها، فالحديث ضمن هذا السياق يقودنا إلى أن ما حدث هو تغير في حقل التحرير الصحفي من حيث الصياغة والقوالب الصحفية والقيم الإخبارية ونمط المقروئية و التلقي بشكل عام، وعند تحليلنا للتأثيرات التي حدثت في هذا النسق الجديد بعد انتشار وسطوة المنصات الإعلامية يمكن نسف كل الشكوك والجدال تجاه دور الفنون التحريرية التقليدية مقارنة بتلك التغيرات التقنية، وإن باتت سيطرة وسائل الاتصال وشيوع مجتمع المعرفة لتصبح أساليب التحرير الصحفي التقليدية لا تناسب هذه الوسائط أحياناً ولا يعني إلغاء دورها ، ويرى بعض خبراء الإعلام أن انتشار الإنترنت أدى بدوره إلى تطوير محتوى الصحافة المطبوعة وإعادة النظر في احتياجات القراء والحرص على بقاء القيم الخبرية التقليدية للصحافة وهي «الدقة والمصداقية» وعلينا أن لا نغفل دور التطورات التقنية التي أسهمت في تغيّر نمط التعرض لوسائل الإعلام لتزداد المنافسة في سوق الإعلام دون أن يلغي عنصرا ما دور الآخر، كما فرضت جانباً مهماً يتعلق بنمط القرائية التي أصبحت قرينة التفاعلية ونتج عنها التفاعل الذي ارتبط بشكل كبير برواج «صحافة الموبايل» التي وفرت درجة عالية من التفاعلية ليشارك الجمهور في صناعة الرؤى والأفكار، مدفوعة بسهولة الاستخدام وتوفر التطبيقات في أجهزة الهواتف الذكية التي أُطلق على مستخدميها مفاهيم منها الصحفي الشامل وصحافة الوسائط المتعددة، التي دمجت بين جملة من التطبيقات والمنصات التي حولت المتلقين إلى مشاركين إيجابيين في صناعة الرسائل الإعلامية، ولنكون أكثر إنصافاً علينا أن لانسلك مذهب الإلغاء ونراعي الدمج والتطوير فالحديث إن لم يستند على أدبيات تقليدية يظل كغثاء السيل، هذا الإيجاز السريع يقودنا إلى أن التحرير الصحفي بمختلف فنونه وأجناسه يحتوى على ثوابت تحملها كل فنونه التي انطلقت من فلسفة الكتابة الصحفية، وأخرى متغيرة منها الجمهور واللغة الإعلامية التي ترتبط عادة بنوع الملكية والتمويل والجمهور المستهدف ، ربما نحتاج إلى توفير مفهوم نظري يوفر نماذج تطبيقية للأساليب الجديدة للتحرير الصحفي في العصر الرقمي وليس الإلغاء.
