محلياتمقالات

التحكيم الكروي .. الأمنية التي رفضت تحقيقها

في ثمانينيات القرن المنصرم استهوتني فكرة الانخراط في سلك حكام كرة القدم رغم أن علاقتي بكرة القدم لعبا ومشاهدة مثل علاقة الفجل بالمغنية المصرية أم كلثوم .. كان ذلك قبل أن يتم تكليفي بتأسيس ورئاسة صحيفة الهدف الرياضية بمعية الصديق والإعلامي الكبير جلال عثمان والصادرة عن نادي الأولمبي وقبل نشوء علاقتي الطارئة بالرياضة من باب الصحافة والكتابة طبعا.. طفقت أحضر مباريات كرة القدم وأتابع الحكام وهم يتحركون في الميدان .. يصولون ويجولون يوقفون اللعب حينا ويأمرون بعودته ويرفعون البطاقات الصفراء حينا آخر والحمراء أحيانا أخرى فيطردون هذا ويوبخون آخر ويقررون إسعاف ثالث داخل الميدان أوخارجه .. بصراحة وقعت أسيرا لفكرة التحكيم في كرة القدم قبل أن تصدمني الكثير من المشاهدات التي ظلت عالقة في ذهني حتى ساعة طباعة هذه الزاوية ولم تكن الصدمات بسبب الاعتداءات البدنية التي يتعرض لها الحكم اثناء تسييره للمباريات بالصفع واللكم والركل وبمطاردته بعصا الجرف (الباله) في أرجاء الملعب وكانه نسناس متوحش فر لتوه من حديقة الحيوانات أو جرذ حقير أكل مخزن شعير .. كانت كل تلك الأمور من الحوادث المقدور على التعاطي معها بصرامة و دون خوف أو وجل أو حتى تراجع أو هروب، لكن الطامة الكبرى التي أرعبتني كثيرا هي العبارات والألفاظ والافتراءات وسب الدين وسب الجلالة بألفاظ أخشى حتى إعادة ذكرها بين نفسي وبيني وبين أهداب عيني وعيني .. كانت كل زوجات اللاعبين وكل زوجات الحكام وأمهات الجميع وأخوات كل من يتحرك في الميدان لعبا او تحكيما وإدارات النوادي ومن يحصد عشب الملعب ومن يقوم بصيانة الأضواء أو الري وغيرهم عرضة لتلويث السمعة والتشفي واختلاق أحاديث الإفك عنهم .. فالجمهور يذكر أسماء زوجات اللاعبين والحكام في قذف علني أمام عشرات آلاف الحاضرين ويختلق الافتراءات حولهن بعبارات يندى لها الجبين ويختلق التفاصيل أيضا .. ففلانة زوجة اللاعب فلان يزورها زميله اللاعب فلان في غيابه ويقضيان وقتا ممتعا و فلانة زوجة الحكم الفلاني تذهب الى السوبر ماركت الخاص بالحكم فلان لأغراض تجارية لا تتعلق بالسلع العادية بل بسلع أخرى وهكذا دواليك .. أدركت أيامها أن اللاعبين والحكام يدفعون هم وأسرهم أثمانا باهظة من السمعة والسكينة والطمأنينة والسلام والسلامة ويظلون دائما في حالة الخطر والتوجس من لحظة إطلاق صافرة الدقيقة الأولى حتى العودة الى البيت .. اليوم لم يتغير شيء حتى بعد مرور كل تلك العقود بل ازداد الوضع تفاقما وقد نشرت الأيام الماضية إدراجا حول اقتراف جماهير بعض الأندية جريمة قذف محصنة محددة وبشكل جماعي فوق أحد المدرجات من خلال )فيديو (بالصوت والصورة في مشهد حيواني مسخ يبكيك على ماض جميل تولي ترجمته تلك الصورة التي تنشر بين الفينة والفينة في منصات التواصل الاجتماعي والمتعلقة بالجمهور الليبي في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وهو يرتدي القراويط فوق المدرجات في فرجة يشهد الكل بانها كانت خالية من كل أنواع الأذى النفسي والبدني واللفظي، هي لقطة تروي قصة أمة كانت على خلق وأضحت أمة فاسدة تقترف كل الموبقات فوق المدرجات من تناول للمخدرات إلى جرائم السب العلني والقذف والافتراء وأحاديث الافك وسب الدين وسب الجلالة بأساليب تنم عن كفر وتحد وصلف .. وكان العدول عن قراري بدخول التحكيم الكروي رد فعل طبيعي مني ورفضت تحقيق أمنيتي وخسرت ليبيا نسخة وطنية للحكم الإيطالي كولينا ولكن بشعر غزير جميل يشبه شعري . وأخيرا تبينوا أن تقعدوا معهم .. قال تعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) . اللهم بلغت اللهم فاشهد .

■ عبدالله الوافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى