محلياتمقالات

نبض الحنين

بصمة على جدار الزمن

التقيت بها ذات مساء ربيعي ، وقد نحت الزمان أخاديد على محياها. صافحتها بحرارة ، أحسست بأنها قريبة مني ،تذكرت التي غادرتني ذات مساء ، وكان وداعها مرا ولا تزال ذكراها تنحت في أحناء صدري حبا وحنينا ، لا تقوى الكلمة على وصفه ! قلت لها : لا عليك من بأس يا أمة الله .. عساك بخير يا طيبة ! وقفت مرحبة ، وقد اتكأت على عكازها ..حملقت في وجهي كأنها تبحث عن شيء ثمين .. ثم همست بكلمات تنم عن ضعفها الذي بدأ يتسلل إلى جسمها العليل ، وقالت بكل ثقة أنا بخير يا ولدي . قلت لها : رأيتك منذ لحظات تجوبن هذا الوادي شرقا وغربا، كأنك تبحثن عن شيء ضاع منك، بربك حدثيني عن هذه الوهاد
الجميلة ، ابتسمت وقالت : نعم يا بني أبحث عن أيام جميلة كانت هنا .. سادت ثم بادت .. أنفرط عقدها .. وتناثرت حباتها .. أبحث عن أنس كان يوما في هذه الديار الدارسات .. أبحث عن كرم فاح عطره في هذا المكان .. أبحث عن رجال شجعان كانوا سادة زمانهم أبحث عن شباب كأنهم رماح .. وبنات كأنهن ظباء ..
كنا هنا منذ عقود .. هذه يا بني ديارنا .. وتلك الوهاد الشامخات مرابضنا .. ألم تلمح معي هاتيك الأثافي التي أسود لونها التي تحكي قرى الضيف ..؟ ألم تر معي تلك الشجيرة التي أعتصرها الألم وقتلها الفراق فبانت كأنها محنطة ؟ كل شيء يا بني في هذا الوادي ينطق بهم .. هناك كنا نلتقي بأحبابنا الذين لعب بهم الزمان وفرقتهم الدروب.. هناك كنا نحلب أنعامنا .. هناك كنا نستقبل ضيوفنا الذين نتمسك بهم ثلاثة أيام بلياليها .. في ذاك البراح كانت أعراسنا البهيجة .. وكانوا أطفالنا يلعبون ببراءة قل نظيرها .. هأنا يا بني عندما أشعر بالوحشة أستأنس بطيفهم الجميل في براح هذا الوادي العامر بهم فأشعر بالأنس والأمان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى