التقسيم … مخطط قديم بوجوه جديدة
الأسبوع الماضي، صرّح بلينكن وزير الخارجية الأمريكي أن فشل الهدنة في فلسطين وسوريا ولبنان قد يقود المنطقة نحو التقسيم. وفي ذات الوقت، أكد نظيره الروسي سيرغي لافروف أن أي خرق للهدنة من المعارضة السورية يعني مباشرتا بأن مشروع تقسيم سوريا هو الحل الوحيد. و في نفس السياق سبق لرئيس الاستخبارات الفرنسي، قبل شهرين، ان صرح بأن الحدود بين سوريا والعراق لن تعود كما كانت في الماضي و يجب ان تقسم هذه الدول . ولعل السؤال المهم هل التقسيم الطائفي و العرقي والجغرافي خطة مُسبقة أم تطور طبيعي؟ ان التحولات الطائفية والجغرافية التي تشهدها دول مثل سوريا والعراق، وإلى حد ما لبنان وغيرها، لم تعد مجرد أحداث عابرة، بل باتت جزءًا من مشروع مشبوه أوسع يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضمن هذه الخطة التي تهدف الى تقسيم الدول الكبرى جغرافيا الى كيانات اصغر و اضعف و كمثال على ذلك ما حدث بالأمس القريب لدولة السودان التي قسمت الى دولة شمال السودان و اخرى جنوب السودان. و لعل في مشروع غوركا احد مستشاري الإدارة الامريكية القادمة و الذي اقترح على منديل ورقي تفتيت ليبيا الى ثلاثة دول , حيث انه منذ عقود وضعت دراسات غربية لسيناريوهات تتضمن تقسيم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. و تبين إحدى أبرز هذه الدراسات التي جاءت من برنارد لويس، الذي هو الاخر لم يكتفِ بتقسيم سوريا والعراق الى دويلات، بل اقترح أيضًا تفتيت ليبيا إلى ثلاث مناطق رئيسية و هي كالتالي:
1. إقليم طرابلس: يضم المناطق الغربية.
2. إقليم برقة: يضم المناطق الشرقية الغنية بالنفط.
3. إقليم فزان: يشمل المناطق الجنوبية الصحراوية الغنية بالمياه و الطاقة الشمسية و الذهب و المعادن الاخرى.
هذا المخطط يهدف إلى تحويل ليبيا إلى ثلاث دويلات منفصلة بناءً على عوامل جغرافية وقبلية وهمية، وهو ما يعكس توجها متعمد لإضعاف البلاد والسيطرة على مواردها النفطية الهائلة. ان ما يحدث في ليبيا يرتبط بشكل وثيق بما يجري في سوريا والعراق و غيرها من فوضى مسلحة في كل هذه الدول، حيث تُستخدم الجماعات المسلحة و الصراع السياسي كأدوات لإطالة أمد الازمة وتقويض الدولة الوطنية. ان التدخلات الخارجية الجارية في عدد من الدول العربية و خصوصا الدور الذي تلعبه الدول الغربية و حلفائها في المنطقة أدى الى تقويض الاستقرار فيها من خلال المؤامرات المتضاربة التي تحاك بشكل واضح ضد مصير شعوب سكان هذه الدول و مستقبلها حيث نجد الولايات المتحدة و حلفائها ودول أخرى تتصارع على تقاسم النفوذ بشكل واضح متربصتا بمصادر الثروة والموارد الطبيعية مشجعتا على استغلالها بما يخدم اقتصاداتها على حساب تلك الدول كما هو الحال في العراق وسوريا، و حيث ان النفط الليبي العالي الجودة و كذلك الغاز هو المحرك الأساسي للأطماع التي تهدف الى التدخلات الدولية في الشأن الليبي و استمرار وضع ليبيا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حتى الان لفترة زمنية طويلة تجاوزت عقد من الزمن. و بالرغم من بعد ليبيا عن العدو الصهيوني من الناحية الجغرافية، إلا أن مشروع تقسيم المنطقة يخدم طموحات الأخيرة في تحقيق التوسع في الوطن العربي بأقاليمه المختلفة الغنية بالثروات المتنوعة سعيا لقيام ما يسمى بمشروع “إسرائيل الكبرى” على حساب دول المنطقة و دولها الغنية بالنفط والغاز و الطاقة الشمسية و غيرها من الثروات التي يمكن أن تصبح ورقة ضغط استراتيجية تُستخدم في الصراعات الإقليمية، كما أن إضعافها يضمن بقاء المنطقة العربية بأكملها في حالة من التبعية الاقتصادية والسياسية للمستعمر. و ما يتير انزعاج المتتبعين للتحولات السريعة في هذه الآونة و التي تجتاح هذه المنطقة بالذات المهمة من العالم هو سرعة هذه التحولات و عمقها و التي تنبأ بصعوبة تقديرها من قبل كل المحللين في المنطقة و الصادرة عن قوى متحالفة تجمعها مصالح مشتركة بقيادة دول غريبة و كيان استعماري عنصري توسعي مدعوم بأحدث أنواع التقنية و أموال البترو-دولار العربية لإرساء مشروعه على انقاض شعوب و كيان الامة العربية و الاسلامية حتى وإن كان الثمن تفتيت و ضياع شعوبها وتمزيق وحدتها عبر ادخالها في حروب أهلية مستمرة و انقسامات و فتن و نعرات عرقية و مذهبية .
■ د. محمد شرف الدين الفيتوري